ابتلي العرب قبل الإسلام بمعاقرة الخمر، وكانوا يشربونها في كل الأوقات مثلما يشربون القهوة الآن، ومن شدّة تعلقهم بها أطلقوا عليها كثيرا من الأسماء، من ضمنها اسم (القهوة)، إلى درجة أنني سمعت أحد الأئمة المتشددين وهو يخطب في يوم الجمعة داعيا إلى تغيير اسم (القهوة) وعدم النطق بها ومحاسبة ومعاقبة من يتلفظ بها، وبعدها أصبحت أنا كلما أردت أن أطلبها أقول (للغرسون): أريد قليلا من البن المطحون مسكوبا عليه قليل من الماء المغلي لو سمحت. والحمد لله أن شمس الإسلام أشرقت على العالمين، ونهت عن تعاطيها. وإليكم ما قاله قديما (ابن الموصلي) تغزلا بهذا (المخزي): سلام على سير القلاص مع الركبِ ووصل الغواني والمدامة والشُّربِ سلام امرئ لم يبق منه بقية سوى نظر العينين أو شهوة القلب لعمري لئن نكبت عن منهل الصبا لقد كنت ورّادا لمشربه العذب لياليَ أمشي بين بُردي لاهيا أميس كغصن البانة الناعم الرطبِ بل إن (أبو محجن الثقفي) من شدة شغفه بها، أخذ يوصي قائلا: إذا متّ فادفنّي إلى ظل كرمةٍ تروّي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت إلا أذوقها والإسلام لم يدعُ لاجتناب الخمر إلا لأنها تذهب بالعقول وتدعو للفحش أحيانا عندما تلتبس الأمور، وإليكم ما قاله أحد الشعراء عن (أم عمرو)، ويبدو أنها كانت سكرانة مثله، حيث يقول: دعتني أخاها أمُّ عمرو ولم أكن أخاها ولم أرضع لها بلبانِ دعتني أخاها بعدما ما كان بيننا من الأمر ما لا يفعل الأخوانِ والمشكلة أن كل من يدمنها ويغرق بها يضحي بكل شيء من أجلها، وها هو (الوليد بن زيد) الذي ذهب به الشراب كل مذهب، حتى خلع وقتل، وهو القائل: خذوا ملككم لا ثبّت الله ملككم ثباتا يساوي ما حييت عقالا دعوا لي سلمى والنبيذ وقينة وكأسا ألا حسبي بذلك مالا أبا الملك أرجو أن أخلد فيكمُ ألا ربّ مُلك قد أزيل فزالا غير أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم، أقام الحد على ثلاثة من أبنائه الذين كانوا يتعاطون الخمر، وهم: عاصم وعبد الرحمن - المعروف ب(أبي شحمة) - الذي حده والده في الشراب، وفي أمر آخر أنكره عليه، وآخرهم كان عبيد الله الذي شرب الخمر عندما كان في مصر، وحده عليها في وقتها عمرو بن العاص، وعندما رجع للمدينة وعلم والده بذلك أقام عليه الحد مرة أخرى، وجلده علانية أمام الجميع. وسئل عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما منعك من شرب الخمر في الجاهلية، وكان لا حرج عليك فيها؟! فقال: ما رأيت شيئا يذهب جملة ويعود جملة، والله ما تغنيت، ولا شربت خمرا، ولا مسست بيدي فرجا، بعد أن خططت بها القرآن. وأختم هذا المقال (المتعتع) بالأبيات الهجائية التالية للخمر وأصحابها، لا بارك الله فيهم: أرى كلّ قومٍ يحفظون حريمهم وليس لأصحاب النبيذ حريمُ إذا جئتهم حيّوك ألفا ورحّبوا وإن غبت عنهم ساعة فذميمُ إخاؤهم ما دارت الكأس بينهم وكلهمُ رثّ الوصال سؤوم فهذا ثنائي لم أقل بجهالة ولكنني بالفاسقين عليمُ ويعلم الله أنني لن أتغنى بأي حال من الأحوال مع الشاعر بشارة الخوري، أو المطربة أسمهان، وأقول: اسقنيها بأبي أنت وأمّي. [email protected] نقلا عن الشرق الاوسط