في نظرة تقليدية عامة الى مسار احداث قضية ملف إيران النووي وتداعياته المحتملة نجد صعوبة في تقبل افكار سوقتها ماكنة الاعلام الغربي تنذر بقرب موعد توجيه ضربة عسكرية لطهران وإقتراب المنطقة من ساعة صفر تعلن فيها إسرائيل شن حرب على النووي الايراني ، زخم مواد الاعلام في تحليل الزوايا العسكرية الفنية والجيوسياسية والاقتصادية لسيناريوهات يحتمل وقوعها لا يعني بالضرورة دخول ساعة الصفر في توجيه ضربة عسكرية لإيران .لاسيما وان أغلب التقارير الاخبارية والوثائقية تناولت بدقة عالية تحديد صنوف عسكرية ستشترك بالضربة ، والمواقع المستهدفة منها ، بالمكان والوقت المتطلب لاصابة أو تدمير الهدف ، و كذلك صعوبات فنية سيواجهها الطيران الاسرائيلي وأبرزها مسألة تزويده بالوقود أثناء قيامه بقصف الاهداف الايرانية . تحولات المشهد السياسي الاسرائيلي : تفيد تقارير اخبارية صادرة من إسرائيل عن حالة ترقب حذر يعيشها الشارع الاسرائيلي إتجاه السياسات المرتقبة للتحالف الحكومي الجديد ، خاصة فيما يتعلق بشأن تهديدات النووي الايراني ، برغم من اجماع الاسرائيليين على ضرورة إيجاد حلول حقيقية لتلك التهديدات ، فأن خطوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتوسيع تحالف حكومي بضم شاؤول موفاز وزير الامن الوطني الأسبق وزعيم حزب كاديما أحد ابرز الاحزاب السياسية في اسرائيل ألقت بالكثير من التساؤلات حول طبيعة أهداف وسياسات التحالف الحكومي الجديد . تخوف المجتمع الدولي من إتساع نطاق تحالف حكومي يضم رئيس المعارضة يصب بإتجاه تخوفهم من قيام اسرائيل بخطوة إستباقية احادية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران في ظل ظروف مضطربة تعيشها المنطقة والعالم . خاصة وأن مصادر إسرائيلية قد رجحت في وقت سابق إقتراب موعد الهجوم على المشروع النووي الايراني بعد إنضمام رئيس المعارضة شاؤول موفاز لحكومة نتنياهو ، و نقل اذاعة الجيش الاسرائيلي عن مصادر مطلعة في مكتب رئيس الوزراء نتنياهو قولها ان السبب الرئيسي لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة موفاز ونتنياهو هو مواجهة التحديات الامنية والسياسية المقبلة والتي تتطلب توحد المجتمع الاسرائيلي خلف حكومته في مواجهة مستقبل مليء بالمفاجآت. وقالت المصادر ان نتنياهو شعر بخيانة التحالف الغربي لمشروعه في مهاجمة البرنامج النووي الايراني في ظل الغزل المعلن والخفي بين طهران وواشنطن.وتوقعت المصادر ان يحدث تغييرا دراماتيكيا في موقف موفاز المعارض لشن هجوم على ايران وان ينتقل بموقفه الجديد الى التأييد لشن عمليات كبرى ضد البرنامج النووي الايراني . تأثيرات ازمة اوربا الاقتصادية على صناعة قرار الحرب: تفاوت المواقف داخل منظومة الاتحاد الاوربي بخصوص خيارات التعامل مع القضية النووية لايران بسبب تداعيات كارثية محتملة إقتصاديا وسياسيا وامنيا ، وفي مقدمة مخاوف الدول الاوربية من اللجوء للخيار العسكري هو إرتفاع أسعار النفط المُصدر لاوربا من الشرق الأوسط في ظل أزمة إقتصادية خانقه تعيشها دول الاتحاد أودت بأسقاط رئيسي اليونان وفرنسا ، والتي تعد سببا في شعور سائد لدى الاوساط الاسرائيلية و تحديدا رئيس الوزراء نتنياهو بعدم رغبة الغرب باللجوء للخيار العسكري ضد إيران ، لاسيما وأن اولاند الرئيس الفرنسي الجديد الذي يضم في طاقمه مستشارين من اصول ايرانية يعد من المعارضين لخيار الحرب على إيران. يُراهن الايرانيون على عدم قدرة الغرب والاوربيين تحديدا في الظروف الراهنة في الذهاب للخيار العسكري استنادا الى الازمة الاقتصادية التي تعيشها أوربا وحاجتهم لاستمرار تدفق النفط بسعر منخفض وذلك لا يتحقق ألا عبر استمرار فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على طهران دون اللجوء لخيارات عسكرية تؤدي لرفع أسعار النفط عالميا فيكون فيها منفعة اقتصادية لايران وضررا لاوربا . أزمات إيران الداخلية: وضع إيران الداخلي ليس أقل سوء من وضعها الخارجي ، بسبب حالة غليان شعبي تعيشها البلاد منذ مدة ، تفاقمت مع فرض عقوبات اقتصادية فرضها المجتمع الغربي و يرجع شعب ايران اسبابها الى سياسات النظام الخارجية ، إرتفاع نسب الفقر بين أوساط المجتمع الايراني و تزايد حالة السخط بين أوساط الجيل الجديد التواق الى التحرر والحداثة ورفض استمرار سطوة رجال الدين على كافة مفاصل الحياة الايرانية بقوة الباسج والحرس الثوري والاجهزة الامنية الاخرى التابعة للنظام الحاكم ، إضافة لازمة سياسية خانقة بين تيار المحافظين والاصلاحيين من داخل مؤسسة النظام وأزمة حقيقية بين الرئيس الايراني والمرشد الاعلى للجمهورية ،تحديات و ازمات جدية تعيشها إيران ، يرى بعض المتشددين داخل مؤسسة النظام في خيار الحرب سبيل لانقاذ نظامهم بتوحيد القيادة الايرانية والتفاف الشعب حول اركان النظام في حال تعرضت البلاد الى حرب اسرائيلية دولية. انتخابات الرئاسة الامريكية: لم يعرف في السابق عن تاريخ السياسة الامريكية لجوء قادتها الى خيارات تصعيدية حربيه عند الاقتراب من موعد انتخابات رئاسية ، ولطالما إتجهت نحو التهدئة في القضايا الخارجية كلما إقتربت من إنتخابات في البلاد ، لاسيما اليوم في القضية السورية والنووي الايراني ، بالرغم من استئناف الادارة الامريكية بيع السلاح للبحرين ، وصفقة الطائرات للامارات والسلاح للسعودية ، وكذلك وصول اسطول امريكي جديد للمنطقة ، ألا انه تبقى مخاوف الامريكيين من إندلاع حرب إسرائيلية – ايرانية قائمة على أساس قدرة الايرانيين عبر حلفاءهم بضرب الاهداف والمصالح الاستراتيجية لامريكا بالمنطقة ، خاصة مع حالة الارباك التي تعيشها دول المنطقة بسبب التحولات السياسية والاجتماعية فيها. تفاؤل إيران في إجتماع بغداد " 5 +1 ": رغبة الايرانيين في عقد إجتماع مجموعة "5 +1 " في بغداد لتحقيق غايات سياسية منها دعم الحليف العراقي لايران "المالكي" بتعزيز مواقفه السياسية وكذلك الحليف السوري "المُقعد " حاليا عن لعب أي دور اقليمي بسبب مواجهته ثورة شعبية سورية . ولا تتعدى كونها مناورة سياسية إيرانية من اجل حلحلة الازمة مع المجتمع الغربي ، وغزل إيراني معلن للدول الكبرى بإشارة واضحة جاءت على لسان وزير الخارجية على اكبر صالحي في طمأنة الأسرة الدولية من اجتماع بغداد المزمع عقده قال :أذا كنا قد خطونا في اسطنبول خطوة واحدة الى الأمام فأننا سنخطو في بغداد خطوات كثيرة الى الأمام " . خلاصة : يتضح بعد السرد الذي تقدمنا به صعوبة ذهاب الاسرائيليين لخيار الحرب دون موافقة أوربية-أمريكية ، خاصة وأن إسرائيل تحيط بها جبهات مناوئة في كلا من لبنان وفلسطين وسوريا وموالية لإيران ، تحاصر قرارها السياسي بشن حرب على طهران ، رغم تصريح اسماعيل هنيه أحد قادة حركة حماس الحليفة لإيران ورئيس الحكومة المُقالة في غزة بتحييد الساحة الفلسطينية عن الحرب في حال شنت إسرائيل هجوما عسكريا على طهران بقوله : عدم محاربة حماس لإسرائيل من أجل إيران " ، ألا أن تصريحات السيد حسن نصر الله الاخيرة أكد فيها على جاهزية حزب الله وقدرة صواريخه الإيرانية على أن تصل الى اهداف حساسة في إسرائيل وتحديدا تل أبيب ، لاسيما في ظل الازمة التي يعيشها نظام الاسد وبحث الاخير عن طوق نجاة للخروج من نطاق الازمة السورية ، والذي قد يجد بقيام الحرب وتصدير الازمة إليها ضالته ، خاصة مع امتلاك النظام السوري لترسانه كبيرة من صواريخ ايرانية وروسية وكورية . كذلك سعي النظام الايراني الى تهدئة الازمة عبر مناورات سياسية وطرق ملتوية بخداع المجتمع الدولي وتضليل شعوب المنطقة عن حقيقة أهداف برنامجه النووي ليس الخيار الوحيد لإيران في حال إشتدت الازمة الاقتصادية التي تعيشها بسبب إستمرار فرض العقوبات الدولية فقد تلجأ لمزيد من سياسات التصعيد في محاولة لجر المنطقة الى حرب ترفع سعر النفط الإيراني وكذلك النفط المُصدر لأوربا والذي يعد كارثة إقتصادية أخرى تعصف بدول الاتحاد الاوربي . يبقى احتمال شن اسرائيل حرب عسكرية على ايران قائم كلما اتجهت الاطراف الدولية الى تهدئة الاجواء عبر الدبلوماسية الايرانية- الغربية‘ وكسب النظام الايراني مزيد من الوقت وتقديم بعض التنازلات دون التنازل عن المشروع النووي ، برغم من ان مماطلات الغرب وايران وترجمتها الى عقوبات اقتصادية يقابلها غضب وترقب اسرائيلي قد يخرج عن اطار التحركات الدبلوماسية الى افعال قد تكون قاسية على الجميع عبر اتخاذ قرار سياسي باعلان حرب عسكرية على طهران ، برغم من ان هكذا قرار لن يكون جاهز في الوقت الراهن عند الاخذ بعين الاعتبار الظروف والمعطيات التي ذكرناها ، فأن اخر ماينتظره قادة الاتحاد الاوربي من تل ابيب هو اعلان موعد للحرب على طهران . [email protected]