ولا أعني هنا أن يرحل رؤساء تحرير صحفنا المحلية عن مناصبهم، بقدر ما هي دعوة لعدم الترشح لانتخابات الدورة المقبلة لمجلس إدارة هيئة الصحفيين، فبعد أن ساهم هذا ''الرعيل'' في تأسيس الهيئة التي انتظرها الجسم الصحافي طويلاً، لا نقول لهم إلا: شكر الله سعيكم.. آن الأوان أن يدير الهيئة قادة إعلاميون جدد غيركم، فمن غير المقبول أن تنحو الأمور للدرجة التي يطلق البعض على مجلس إدارة الهيئة أنه ''نادي رؤساء التحرير''، بسبب السيطرة شبه المطلقة لهم على تشكيلة مجلس الإدارة في دورتيه الأولى والثانية.. وآمل وأدعو وأبتهل ألا تكون الدورة الثالثة كذلك. ولأننا معشر رؤساء التحرير أكثر المنادين بأن تكون لدينا مؤسسات مجتمع مدني حقيقية، فلا أقل من أن تكون هيئتنا هي أول من يكون النموذج لذلك، أما بالطريقة الحالية وبهيمنة رؤساء التحرير على انتخابات الهيئة، فلا أظن أنه يمكن لهم أن يقدموا هذا النموذج الذي ننتظره جميعاً، لا لقصور بهم أو بأدائهم كأعضاء في مجلس الإدارة، لا سمح الله، بل لأن هناك ما يُسمى تعارض المصالح. فمثلا، كيف لي كرئيس تحرير أن أقبل بشكوى ضدي من أحد زملائي في الصحيفة، في الوقت الذي أنا مَن يحكم في هذه الشكوى، إضافة إلى أن هناك بعض القرارات ربما أقبل بها كعضو مجلس إدارة لكنها لا تناسبني كرئيس تحرير، بل تتعارض بالكامل مع مصالح الصحيفة التي أتحمّل مسؤولية إدارتها، وهنا ندخل في إشكالية أي من المنصبين سيغلب على الآخر، وفي كلتا الحالتين الجهة الأخرى ستتضرر. هيئة الصحفيين بنظامها الحالي وبانتخاب جميع أعضاء مجلس إدارتها، دون دخول أي عضو بالتعيين، يمكن لها أن تكون نموذجا حقيقيا لمؤسسات المجتمع المدني المنتظرة. لا أطالب بمنع رؤساء التحرير من الترشح، فهذا حق للجميع ولا يمكن استثناؤه عن أي كان، ولكن عليهم تقديم نموذج حي بتشجيع القيادات في صحفهم على الترشح لمجلس الإدارة المقبل، مع عدم إغفال الدعم الذي ينتظره المجلس من رؤساء التحرير باعتباره عنصرا رئيسا في ترسيخ فكرة وجود هيئة صحافية مستقلة، أنشئت أساسا لحماية حقوق الصحافيين والدفاع عن مصالحهم. الجميل في الأمر أن الساحة الإعلامية المحلية تشهد نقاشاً محموماً، لكنه إيجابي، بشأن انتخابات الدورة الثالثة لمجلس إدارة الهيئة، وهذا في ظني يرفع من مستوى تطلعات الصحافيين لمَن سيقود دفة هيئتهم القادمة. غني عن القول إننا نتوقع تقبلاً لهذا النقاش الصحي من قِبَلِ الجميع، فمن غير المعقول أن تحفل صحفنا يومياً بالانتقاد القاسي لكل الجهات، الحكومية وغير الحكومية، وعندما يأتي الدور علينا نتوارى، ونشعر بأن الأمر لا يعنينا على الإطلاق. من المهم أن نستفيد من هذا الحراك ونتعامل معه على أنه سيسهم في إضافة حضارية للمناخ العام للصحافيين في مستقبلهم القريب. ابتعاد رؤساء التحرير، بإرادتهم، عن مجلس إدارة الهيئة، سيكون أفضل تطبيق عملي لتأسيس ثقافة العمل المؤسسي بعيداً عن الأسماء أيا كانت، حينها سيكون ذلك أفضل إثبات تقدمه الصحافة السعودية على أنها تتحرك وتركز في عملها على المصلحة العامة فعلا لا قولاً، ستكون سابقة تسجل لها أن رؤساء التحرير أسهموا في إنجاح هيئتهم دون أن يعتمد ذلك على وجودهم فيها، وتخيلوا كم من هيئة وجمعية مهنية ستستفيد من مثل هذا الجو الصحي، لو نجحت هيئة الصحفيين في العمل وفق نظرية ما هو العمل لا مَن هو الذي يعمل. ننتظر مجلس إدارة هيئة الصحفيين في نسخته المقبلة، بوجوه جديدة تسهم في انطلاقة مختلفة ووفق رؤية تناسب مسيرة الصحافة السعودية، أما إذا أصرّ رؤساء التحرير على ممارسة حقهم في الترشح، ومن ثَمَّ هيمنوا مجدّداً على المجلس، فسيكون الجميع مضطراً إلى التعاون معهم ودعمهم، فهذه أولى قواعد الاحتكام لصناديق الانتخاب! نقلا عن الاقتصادية