هناك اعتقاد راسخ وعميق يكاد يصل إلى حد اليقين عند أغلبية الناس وكافة شرائح المجتمع السعودي بأن هذا المجتمع محصورة اهتماماته.. كلها أو جلها في الرياضة في كل تجلياتها.. وتحديدا كرة القدم.. وهذا الاعتقاد، بل هذا اليقين هو خاطئ وغير صحيح على الإطلاق. ولعل السؤال الذي ينبغي طرحه هنا: هل كرة القدم هي كل شيء في حياة المجتمع السعودي.. كل هواجسه وهمومه؟. هذا السؤال يقتضي دراسة وتقصي المسارات العامة والمهمة التي تشغل المجتمع.. وأبرز القضايا التي تشكل حضورها في التفكير الاجتماعي.. والأولويات التي تبدو أكثر بروزا في الذاكرة الجمعية.. وعبر هذه الدراسة العلمية يمكن فهم الكيفية التي يمكن من خلالها قراءة المسارات والاهتمامات للمجتمع السعودي. ومن ثم وضع رؤية عامة ينبني عليها فهم آليات التفكير والاهتمام في المجتمع وعلاقة السياسة بكرة القدم، وأن الرياضة ثقافة وجزء من ثقافات المجتمعات، وهي اليوم علم له أكاديميات ومعاهد. من هنا لا يمكن القول بأن المجتمع السعودي «كله» وبالمطلق هو مجتمع رياضي وكروي بامتياز.. المؤكد أن هناك من هم داخل هذا المجتمع من لا يعير كرة القدم أي اهتمام يذكر ولا يلتفت البتة لأي نشاط رياضي.. من باب التشجيع.. أو من باب الممارسة الرياضية الشخصية البحتة، بل هناك من لا يتابع الشأن الرياضي لا من قريب ولا من بعيد، وثمة من يرى بأن الاهتمام بمتابعة مباريات كرة القدم هو ضرب من العبث وأحد أسباب الضياع. إن هناك اعتقادا راسخا وعميقا.. يصل إلى حد اليقين بأن قيمة الشخص لا تتأكد ولا تتكرس إلا في المجال العلمي والمعرفي والثقافي والفكري، بالرغم من أن نجومية لاعب كرة القدم توصله نتيجة شهرته إلى حصد وامتلاك الملايين، فيما لا يملك أستاذ الجامعة ولا المفكر ولا المثقف أو الشاعر أوالروائي هذه الملايين، ولا يحقق الحد الأدنى من شهرة ونجومية لاعب كرة القدم، بالرغم من أن هذا اللاعب قد لا يملك أو يمتلك الثقافة والوعي والمعرفة التي يملكها ويمتلكها رجل الفكر والتعليم والمعرفة والإبداع. وهناك أسر وعائلات تريد من ابنها أن يكون دكتورا أو مهندسا أو شيئا كبيرا في المجتمع أو في مجال العلوم والمعرفة على أن لا يكون لاعبا أو فنانا. وهذه النظرة تأتي من كون المجتمع نفسه لا يعلي من قيمة لاعب كرة القدم ولا يقيم وزنا للفنان، وهي نظرة في رأيي تعبر عن ناتج ثقافة اجتماعية تسكن عقول وأذهان الناس. إن كرة القدم فن من الفنون؛ لأنها قائمة على الإبداع والموهبة، وهو ما يجعلها فنا لا يختلف عن أي فن آخر، إنها تجسد مهارة وإبداع الفرد. .. إنني أحد المهتمين والمتابعين للشأن الرياضي.. وما يجعلني أطرح هذه القضية هو تعاظم الاهتمام بكرة القدم في متابعتها ومشاهدتها، بالرغم من أنني أرى أن هناك فراغا معرفيا في المجتمع جراء ما أسميه بالظاهرة الكروية، وهي ظاهرة ينبغي دراستها وقراءتها من قبل المهتمين والباحثين.. لأن كرة القدم أصبحت جزءا من المكون الاجتماعي السعودي في سياق هويته العامة. [email protected] نقلا عن عكاظ