أول ما يتبادر إلى ذهن المتابع للثورة السورية بعد تصريحات مفتي سوريا الأخيرة، التي هدد فيها الغرب بأن هناك انتحاريين جاهزين للقيام بعمليات استشهادية في حال تم استهداف سوريا خارجيا، هو: ما رأي البطريرك الماروني بشارة الراعي بهذه التصريحات؟ فقد سبق للراعي أن حذر من أن سعي المجتمع الدولي إلى تطبيق الديمقراطية في سوريا قد ينتهي بحلول نظام متطرف يديره الإسلاميون المتطرفون، والمقصود السنة بالطبع، بدلا من نظام بشار الأسد. وجاءت تصريحاته تلك، أي الراعي، على الرغم من أن الثورة السورية كانت تدخل شهرها السادس، وعلى الرغم من القتل والقمع الوحشي الذي يتعرض له السوريون على يد نظام أقلية في دمشق، حيث لم يشفع كل ذلك الدم والقمع ليقول الراعي كلمة حق تجاه المظلومين. لكن المفاجأة اليوم للراعي وغيره ممن يروجون أن النظام الأسدي هو حامي الأقليات في سوريا وغيرها، سواء عن حق أو باطل، هي التصريحات، أو قل الخطبة الصادرة عن المفتي السوري أحمد حسون، مفتي النظام الأسدي، الذي هدد قائلا: «أقول لأوروبا كلها وأقول لأميركا» إن المفجرين الانتحاريين الذين يعيشون بالفعل وسط الأوروبيين والأميركيين سيكونون على أهبة الاستعداد إذا تعرضت سوريا أو لبنان للقصف، مضيفا أن «العين بالعين والسن بالسن». والسؤال هنا للبطريرك الراعي، ومن يروجون نفس قناعاته عن أن النظام الأسدي هو حامي الأقليات: إذا كان هذا هو منطق مفتي النظام الأسدي، فما الذي تبقى للجماعات الأصولية وقادة الميليشيات؟ بل إذا كان هذا هو منطق مفتي النظام، فكيف يخشى الراعي من قدوم نظام أصولي في دمشق بعد النظام الأسدي؟ بل الأغرب من كل ذلك، أنه في الوقت الذي يردد فيه النظام الأسدي، والمحسوبون عليه إعلاميا، أو حتى ممن يصفون أنفسهم برجال دين، أن ما يحدث في سوريا من ثورة اليوم هو نتاج أعمال إرهابية تقوم بها مجموعات مسلحة، يخرج المفتي السوري ليقول إن هناك انتحاريين جاهزين في كل من أوروبا وأميركا، ومستعدين لتطبيق قاعدة «العين بالعين والسن بالسن»! أمر محزن حقا حين يتحدث مفتي بنفس لغة التنظيمات الأصولية المتطرفة. وعليه، ألا يخشى الراعي اليوم، وغيره، مما قاله مفتي سوريا؟ أوليس ذلك مدعاة لمراجعة المواقف؟ فإذا كان لدى مفتي سوريا انتحاريون في قلب أوروبا وأميركا، فماذا عن لبنان؟ وهل كان أبو عدس المزعوم أحدهم؟ وهل هم على غرار ما رأينا في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين؟ القصة ليست قصة تندر هنا، لكنها من الأهمية بمكان، خصوصا أنها تصدر عن مفتي النظام الأسدي نفسه، وليست تصريحات ال«محللين» المحسوبين على النظام الأسدي. وبالطبع فمن شأن تلك التصريحات أن تساعد البعض، وحتى الدول، على فهم الكثير من خبايا النظام الأسدي في دمشق، وطريقة التفكير التي تدار بها الأمور هناك، وخطورة تأثير كل ذلك على المنطقة، والأمن فيها نقلا عن الشرق الاوسط