** وبعيداً عن "المجاملات" العربية، العربية المعروفة.. ** وبعيداً عن "الحسابات" الخاصة.. ** وبعيداً عن اللغة "الفضفاضة" أقول: إن الغزل "الإيراني" الحالي لأكثر من عاصمة عربية.. وتجاذب الحديث "الودي" المعسول بينها وبين جامعة الدول العربية يحتاج إلى موقف صريح، وواضح، وقاطع، قبل فوات الأوان.. ** فمنذ بداية التغيير في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي بجمهورية مصر العربية.. ومنذ ترؤس الدكتور نبيل العربي لوزارة الخارجية.. بدأ حديث مكثف في القاهرة حول مد جسور علاقات كاملة وحميمة بين القاهرةوطهران.. وقد تطور الحديث إلى تسريبات إعلامية.. كنا ندرك أسبابها، ودواعيها، وظروفها، تبعت ذلك اتصالات مصرية مع بعض العواصم العربية المؤثرة.. جرى الحديث خلالها.. عن هذا التوجه المصري الجديد، وأبعاده وتأثيراته.. ** وسمعت القاهرة من الأشقاء الكثير من الآراء، والملاحظات، والتحفظات ما جعلها تتأنى بعض الشيء، وإن ظل اندفاعها في هذا الاتجاه في تلك الفترة محافظاً على وتيرته.. ** لكن الأحاديث المتبادلة بين القاهرة وتلك العواصم العربية ظلت تراوح مكانها، متأرجحة بين التفسير، والتبرير، وجبر الخواطر، بالرغم من المخاطر التي أخذت تتبدى أكثر فأكثر في سماء العلاقات الإيرانية/ السورية.. والإيرانية/ الخليجية.. وحتى الإيرانية/ المصرية نفسها.. ** وعندما غادر الدكتور "العربي" الخارجية المصرية إلى الجامعة العربية وجد أمامه مشروعاً كان الأمين العام السابق "عمرو موسى" قد طبخه مع العاصمة السورية والعاصمة الإيرانية جيداً.. لإقامة منظومة ما يسمى بدول الجوار.. وهو المشروع الذي اصطدم بمعارضة خليجية قوية في اجتماعات الجامعة العربية الأخيرة.. فطواه السيد عمرو موسى على مضض، ولكنه حرص على أن يضعه أمام خلفه في صدارة الملفات وأولاها بمعاودة النقاش حولها.. ** وجاء "العربي" المفتون كما سلفه بشعارات "شعبوية" زائفة ليحرك الملف على ما يبدو، ويستأنف "الغزل" مع طهران.. وطهران فقط.. لأن الطرف "السوري" مشغول هذه الأيام بهمومه الداخلية الخانقة.. وهي هموم كشفت للشعب السوري حقيقة " الحليف الاستراتجي الإقليمي "إيران" المتضامن مع السلطة، وضد الشعب نفسه.. ** فقد استقبل "نبيل العربي"، يوم الثلاثاء الماضي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني "علاء الدين بوروجردي"، وسلمه دعوة من رئيس مجلس الشورى الإيراني "على لاريجاني" لحضور مؤتمر حول فلسطين يعقد في طهران في شهر نوفمبر القادم" كما بحث مع الأمين العام للجامعة العربية أوضاع المنطقة والمتغيرات التي تشهدها بعض البلدان العربية".. ** لكن اللقاء من حيث التوقيت، وكذلك من حيث الأهداف، والتوجهات، يعني ثلاثة أمور مهمة: ** الأمر الأول: أن إيران تتحرك بسرعة لتعويض الحليف السوري المأزوم بحليف آخر، يؤمن مصالحها في المنطقة، ويكفل استمرار سياساتها الحالية فيها، بعد خسارتها للحليف السوري المتضامن.. ** الأمر الثاني: أن الجامعة العربية بالنسبة لطهران، في ظل وجود أمين عام "قومي" على رأسها.. باتت هي الهدف الأول المرشح والمحسوب لتحريك المشروع الإيراني المستبعد عربياً في الوقت المناسب بقوة.. ** الأمر الثالث: أن الدكتور العربي هو الشخص الأنسب لفتح الأبواب والنوافذ العربية لطهران من جديد باعتباره صاحب مشروع "مصر للجميع ومع الجميع".. ** وأنا وإن كنت لست ضد إيران.. ** وأنا وإن كنت لست ضد إقامة علاقات متوازنة ونظيفة مع أي دولة تحترم التزاماتها، ولا تتدخل في شؤون غيرها.. ** وأنا وإن كنت ضد مبدأ فرض الوصاية على اختيارات الدول في إقامة علاقات من أي نوع كان مع أي دولة من دول العالم.. ** إلا أنني لست مع الاندفاع إلى إقامة علاقات مفتوحة مع النظام الإيراني الذي لا تخفى أهدافه، وتطلعاته عنا جميعاً.. ** فهو نظام له حساباته، وطريقته في تحقيق مصالحه، وهي حسابات لا توفر الحد الأدنى من طمأنينة الآخرين إليه، أو الثقة به.. فضلاً عن أن تقودنا إلى التحالف معه.. أو الاعتماد عليه، أو فتح الأبواب أمامه.. لاعتبارات أمنية، وآيدلوجية، وسياسية في آن معاً.. ** والتحرك الإيراني الحالي - كما سبق وأن قلت - سواء نحو مصر العربية، أو باتجاه الجامعة العربية أيضاً، هو من باب التعويض بعد خسارتها الوشيكة للحليف السوري.. ** كما أنه يأتي من باب الإحياء لعلاقة بدت وكأنها في مرحلة البلورة والتكوين مع الأمين العام للجامعة العربية السابق المرشح لرئاسة مصر الآن.. مع حليف جديد يبدو أكثر تهيؤاً للدخول معها في شراكة إقليمية مبكرة.. ** ونتيجة لكل ذلك أقول: ** إن الموقف العربي لا يصنعه شخص الأمين العام للجامعة العربية.. ** كما أن المصلحة العربية العليا لا تحددها دولة واحدة بمعزل عن الدول العربية الأخرى.. لاسيما في ظل التعامل مع حالة كالحالة الإيرانية.. ** ومن أجل ذلك.. فإن الحديث مع الشقيقة مصر، أو مع الجامعة العربية يجب أن يكون واضحاً وصريحاً ومباشراً وبعيداً عن "أدب اللغة الدبلوماسية ومفرداتها": (لا علاقات مع إيران.. مع استمرار سياستها الراهنة تجاه دول المنطقة وشعوبها).. ** وعلينا أن نكون حاسمين وحازمين مع بعضنا البعض في هذه المسألة بعد أن عانينا.. ومازلنا نعاني كثيراً من التدخلات الإيرانية في لبنان.. وفي اليمن، وفي فلسطين، وفي البحرين، وفي العراق، وحتى في ليبيا.. ** وهي تدخلات بلغت حد التحالف مع القاعدة.. رغم الخلاف الآيدلوجي بين الطرفين.. لمجرد أن لهما هدفاً مشتركاً هو إضعاف الكل من الداخل، وتجهيزه للقبول بالهيمنة الإيرانية على المنطقة.. ** فهل يفهمنا الإخوة الأشقاء في مصر، ويتأنى الأمين العام للجامعة العربية ويفصل بين توجهاته الشخصية وبين مصالح الأمة العليا..؟! ضمير مستتر ** (من الخطأ أن نجامل بعضنا البعض.. على حساب شعوبنا.. ومصالحنا الوطنية العليا). نقلا عن الرياض