تنظيم سري في السعودية يسعى للاستيلاء على السلطة". رغم أن هذه العبارة فاجعة للغاية، إلا أنها في الواقع تكشف جانبا من الطموح الخفي لكل من سلكوا طريق الإنكار غير الوطني وغير المدني على الدولة، ومحاولة تقديمها على أنها راعية ومساندة للمنكر، بينما هم مساعدون ومناصرون للصلاح والفضيلة، ولا يختلف في ذلك من ينتقد موقف المملكة من القضايا الدولية، أو من ينتقدها في قضية تأنيث محلات الملابس النسائية. لأن الإنكار المتكرر يجعل المنكرين يشعرون أنهم أمام منكر كامل وليسوا أمام حالات فقط، وهو ما يحولهم إلى خطر حقيقي، تتكشف آثاره مع الأيام. كلهم سواء، نعم.. كلهم سواء، وعلى قلب رجل واحد وعلى رؤية واحدة ومنطق واحد، وأسلوب واحد. هو الإنكار والاحتساب والسعي لتصحيح ما يرونه أخطاء بدرت من الدولة. وبكل تأكيد لا يمكن القول إن مؤسسات وأجهزة الدولة لا تخطئ، بل على العكس، تدعو الدولة دائما للوضوح والصراحة في مجابهة أخطاء مختلف أجهزة الدولة، لكن الدولة أيضا تدرك الفرق الواسع بين النقد المدني وبين النقد الديني المتطرف. إن الإنكار المدني يهدف إلى تحقيق قيم وواقع يمكن ملامسته، وهو قريب من حياة الأفراد ومؤثر في معاشهم ومستقبلهم بينما الإنكار الديني والمتطرف، يهدف إلى تحقيق غاية لا يمكن قياسها، وإلى تحقيق مسائل لا مكان لها في زمن الدولة، وكلما اشتد الإنكار فإنه يتحول إلى مواجهة مع الدولة، لأنه ينطلق من رؤية احتكار الصواب ورمي المخالفين باحتكار الباطل وتنميته والدفاع عنه. هذه العملية تتم غالبا عبر مسار تصاعدي تبدأ من القضايا الصغرى ثم تتجه لبحث شرعية الكيان بأكمله، فالذين يرون إنكار بطاقة المرأة مثلا أو تأنيث محلات الملابس النسائية أو دمج التعليم في الصفوف الدنيا، إنما يديرون رؤيتهم لهذا الإنكار من زاوية فقهية وتقليدية غالبا لا تعترف بالتنوع، ولا تقر بالاختلاف وهو ما يدفعهم للمضي قدما والخروج من الإنكار على الفعل للإنكار على المؤسسة، وبالتالي الإنكار على الدولة. والإنكار الديني الحاد بطبيعته وعظي ويقوم على التجييش والتصنيف. إن ما تكتبه الصحافة أو ما يتحدث به نقاد التنمية من قضايا ربما يكون نقدهم أكثر حدة، إلا أنه يمكن تصنيفه على أنه نوع من الإنكار المدني الذي لا يستند إلى خلفيات تجعل من شرعية الكيان قضية على المحك، وهو ما يمكن قياسه أيضا في قراءة موقف الدولة من القضايا الدولية، إذ لا تسفر القراءات الدينية المتشددة لتلك القضايا إلا عن رفض لكل ما يحدث، لأن منطلق القرءاة ووازعها ليس منطلقا مدنيا حديثا، بينما أداء الدولة في هذه القضايا ينطلق من واقع العالم الحديث الذي تعيش فيه، وهو ما أدى ببعض المنكرين لأن يقدم خطابه بديلا عن خطاب الدولة، فيقف أمام ما يحدث في العراق مثلا، ليقول ل"المجاهدين" إننا معكم وندعمكم ونشد على أيديكم، ولأن عليه أن يثبت أن دعمه ذلك ليس مجرد صراخ عبر برامج الشات والماسنجر، تبدأ عمليات الدعم وجمع التبرعات، وبالتالي يتحول من مجرد مواقف نظرية إلى مواقف عملية وأفعال يقدم بها ذاته وخطابه كصوت مواز لصوت الدولة وموقفها، هذه الدولة التي تتحول على ألسنتهم من المملكة العربية السعودية لتصبح بلاد الحرمين وأرض الرباط، وغيرها من التسميات ذات الدلالات المفتوحة. قارنوا بين هذا الأداء الديني الحركي، وبين ما تقدمه أصوات الاعتدال من الفقهاء الذين يدركون ما معنى أن تحيا في كيان وطني حديث، تديره دولة حديثة، وسط عالم حديث، يدرك قيم المصالح والقوى والتحالفات، بحثا عن تحقيق القيم العليا، ومن خلال لغة ترتكز على الالتزام الوطني. تدرك الدولة باستمرار من هم خصومها الحقيقيون، وتحاول كثيرا أن توازن بين رؤيتها وبين ما تدركه من أنماط ثقافية وفكرية قائمة في المجتمع، ولو أن خطيبا صب جام غضبه على السياسات الأمريكية مثلا، فلن يعدو كونه رأيا منبريا، لكنه لو اجتمع مثلا مع مسؤولين إيرانيين لبحث كيفية وقف الهيمنة الأمريكية على المنطقة، فقد خرج في الواقع من حيز الرأي والتنظير إلى حيز الفعل الذي يطرح ذاته وكأنه بديل عن الدولة. إن الأداء الشرعي غير المتزن، لا بد أن يؤدي إلى مجابهة، ومتى تحول التدين من حيزه الإيماني الشعائري إلى الحيز الحركي السياسي؛ سوف ينتهي به مآله إلى هدف واحد وهو السلطة، وحين يتم القبض على هؤلاء، نقف كسعوديين أمام سؤال كبير وهو: متى يتم القبض على خطابهم؟ نقلا عن الوطن السعودية