لسنوات طويلة ظل المواطن العربي يعيش في خوف، يتطور في الغالب إلى كراهية عمياء، من ذلك الآخر القادم من الخارج، وتحديدا الغربي المتربص بنا الدوائر. فهو كما قيل الآن في المدرسة والإعلام والمسجد يستهدفنا في ديننا وعقيدتنا وأخلاقنا واقتصادنا وأمننا، وهو الذي يقيم الاجتماعات في السراديب ليتآمر علينا، فنحن شغله الشاغل وعدوه الأول. وقد كان اسمه يوما الاستعمار الجديد أو القوى الإمبريالية أو الشيطان الأكبر.. هذا غير مهم فكلها تشترك في دلالتها على المتهم نفسه. وبالرغم من أنه لا ينكر إلا جاهل أو متجاهل الأدوار غير الشريفة التي لعبها ويلعبها الغرب والولايات المتحدة تحديدا من فرض الهيمنة والسيطرة على المنطقة ومواردها، وبالرغم من الدعم اللا معقول الذي يُقدم للكيان الصهيوني الذي يعمل في خاصرة الأمة بخنجره القذر، إلا أن الثورات العربية الأخيرة قد كشفت لنا بأن هذا البعبع الأجنبي الخارجي ليس هو البعبع الأكثر إخافة ولا أعماله الأكثر إجراما في حقنا. شاهدنا مثلا كيف أن بعض الجيوش العربية، التي فشلت في مهمتها الأصلية من حفظ أمن الوطن وحماية حدوده والدفاع عن شعبه ضد العدو الخارجي، استأسدت على شعوبها فقصفت وأحرقت وقتلت المدنيين العزل، ولم تستثن لا الكبار ولا الصغار. آخر الضحايا هو الطفل حمزة الخطيب (13 عاما) والذي قتل في مدينة درعا السورية بعد أن تعرض للتعذيب كما تظهر طلقات الرصاص التي اخترقت جسده الغض والكدمات على وجهه الجميل المعذب. بل لم يسلم جسده من التمثيل حتى بعد الموت. الغريب أن هذا يحصل من نظام لطالما تباهى بدعم المقاومة الرامية لتحرير فلسطين، وهو أمر كما علق الشاعر الفلسطيني الدكتور تميم البرغوثي على قتله في "تويتر" قائلا: (إن كان تحرير فلسطين يقتضي تعذيب أطفال سوريا حتى الموت فأبقوها محتلة، خير لأطفالكم وأطفالها). ولم يسلم شرف النساء العربيات من الأذى والشرف أغلى ما يملك العربي منذ ما قبل فجر النبوة فتعرضت الشابة الليبية إيمان العبيدي (28 عاما) كما روت للعالم لاغتصاب جماعي من قبل كتائب الأخ العقيد! فالجيوش التي يعذب جنودها الأطفال ويمثلون بجثثهم أو يغتصبون النساء لم يستوردها أحدٌ من الخارج، ولم تتلق الأوامر لفعل ذلك من أوروبا وأميركا. كما أن تلك المشكلات الكبرى التي تعاني منها البلدان العربية والتي لها علاقة بالفساد وأكل المال العام وسوء استخدام السلطات، والتي تسببت في أحيان كثيرة في ضياع ما هو أكثر من المال وهي أرواح الناس كما في حوادث أمطار جدة، أيضا لم تكن نتيجة لمخطط جهنمي خارجي وإنما بسبب أولئك الذين خانوا أمانة القيادة والناس في عروس البحر الأحمر. ولو تمعنا في كل القضايا الداخلية الأخرى التي تمس مجتمعاتنا العربية بشكل مباشر وتتكرر بشكل شبه يومي وتعتبر أكبر عائق في وجه التقدم، من جرائم الشرف والعنف الأسري، والطلاق المتعسف، وأكل حقوق الضعفاء، والتمييز ضد المرأة والأقليات، والرشاوى والاختلاسات والمحسوبيات، وشهادات الزور، والغش بأنواعه، والتكاسل في أداء الواجبات والأعمال، ورداءة التعليم، وتهميش الأطفال، والمؤسسات الإعلامية التي تروج للفساد والفن الهابط، كل هذه المصائب لم نستوردها من الخارج، ولم يسرب جرثومتها لنا الرئيس أوباما، ولا تآمر بها علينا ديفيد كاميرون ونيكولاس سيركوزي! الإشارة بأصابع الاتهام للخارج أمر سهلٌ للغاية لأنه يخلينا جميعا أفرادا وحكومات من المسؤولية ويحملها للآخر الغريب وصاحب التاريخ غير المشرف في المنطقة، وبالتالي يعفينا من إيجاد الحلول وأخذ الإجراءات، فنحن ضعفاء مغلوبون على أمرنا في مواجهة دول وحضارات كبرى، فكيف نستطيع محاربتهم؟ لا شك بأن صراع المصالح في منطقتنا والعالم، ودعم الغرب لإسرائيل، والفكرة السخيفة التي يتبناها اليمين الغربي المتطرف حول صراع الحضارات، ربما تجعل جميعها الدول الغربية مرتاحة جدا لتخلفنا الحضاري والعلمي، أو دوائر معينة معادية فيها على الأقل، لكن هم لا يملكون سلطة مطلقة علينا كما يراد لنا أن نتصور، وليس كل ما يحدث في بلداننا هو نتيجة لمؤامرة خارجية! فالدولة التي تريد أن تخرج من حالة التخلف وتملك الإرادة لذلك ستحقق ذلك رغم كل التحديات، ماليزيا وتركيا وحتى الجارة دبي أمثلة على دول أرادت أن تصبح شيئا مختلفا بغض النظر عن موافقتنا للنهج المتبع هنا أو هناك. الشباب العربي الذي ثار ويثور أدرك ولا شك هذه الحقائق أخيرا، فهذه المرة حين خرج مطالبا بالحرية والكرامة والمحاسبة لم يحرق لا العلم الأمريكي ولا البريطاني ولا الفرنسي ولا الصهيوني، فقد أدرك أخيرا بأن العامل الخارجي يأتي في المرتبة الثانية بعد العامل الداخلي في ما آلت إليه الأمور. وإنه حين تصلح الأمور في الداخل، سيكون الوطن أكثر قوة وقدرة على مواجهة العدو الخارجي، وليس قبل ذلك. ولعل أصدق مثال على ذلك هو ما حصل من إعادة فتح معبر رفح بين مصر وفلسطين والذي تحقق بعد نجاح الثورة المصرية، فالممر لم يكن بالأصل مغلقا من قبل إسرائيل. عادة الرمي بمشكلاتنا على الآخر ليست حكرا على المسؤول أو المواطن في القضايا العامة وحسب، وإنما تتعداه إلى المستوى الشخصي كما لاحظت منذ عودتي الأخيرة للوطن. ولذلك فإن تحمل الفرد كما المؤسسات والدول لمسؤولية الأفعال والأقوال الصادرة من كل طرف هي ثقافة لا بد من زرعها في المجتمعات العربية إذا كنا نريد لها أن تنهض، فاستخدام شماعة العدو الخارجي وحده لتبرير المشكلات الداخلية انتهت صلاحيتها، فبدون أن يقر المخطئ بخطئه كيف نتوقع منه أن يعالجه ويصححه؟ نقلا عن الوطن السعودية