يعيش في دول الخليج ملايين العمال والعمال المهرة. تصل نسبتهم في بعض الدول إلى سبعين في المائة من عدد السكان. في البدء أحب أن أوضح بأنني لست من الذين يدقون ناقوس الخطر. الخليج عاش طوال تاريخه الحديث على هؤلاء الأجانب. أما حكاية أن هؤلاء الأجانب احتلوا وظائف كان يمكن أن تكون من حق المواطن فهذا صحيح وغير صحيح , يعتمد على الزاوية التي ننظر منها للقضية. في المملكة أكثر من مليون وظيفة مخترعة لا صلة لها بالحاجة الاقتصادية مثل وظيفة سائق العائلة أو الخادمة. هناك أيضا وظائف لا يمكن لمواطني الدول الخليجية شغلها. مثل عمال النظافة أو الوظائف المتخصصة الدقيقة. رغم حجم الأجانب الكبير وحضورهم المستمر في مفاصل الحياة الاجتماعية مازال هؤلاء الأجانب غائبين عن وعينا. صلاتهم متوقفة على وظائفهم أو بالجهات الأمنية. يظهر العامل الأجنبي ويؤدي شغله ثم يختفي كالشبح. علاقتنا بهم كعلاقتنا بالجن نعترف بحقهم في الوجود دون أن نسمح لأنفسنا الاقتراب من مجتمعاتهم عن كثب. كل علاقة بيننا وبينهم مضطربة ومليئة بالإشاعات. نحمد لأنفسنا أن هناك علاقات إنسانية رفيعة تنشأ بين السعودي أو السعودية وسائقها أو خادمتها. على المستوى الفردي نجد أن الموقف من الأجانب إيجابي وإنساني عكس المستوى الجمعي الذي يُظهر عداءً وعنصرية ويتسم بالنفور. أعتقد أن كثيرا من الدعاة وبعض الإعلاميين صنعوا هذا العداء الجمعي. قرأت كتاباً من تأليف مهندس هندي يتحدث عن تجربة الهجرة إلى كندا. يستعرض في بداية الكتاب مسيرته من بلاده عبر سلطنة عُمان حتى الوصول إلى كندا. تحدث عن نظام الكفيل وعن التجربة الخليجية القائمة على تشييد المباني والمظاهر الحضارية المادية فقط. كان حديثه منصفاً. لا يوجد في الكتاب مرارة أو كراهية تجاه أهل الخليج. التقيته أثناء ترويجه لكتابه في إحدى المكتبات الكبرى. عندما عرف أنني خليجي أظهر كثيرا من الود والامتنان ولكنه لم يخف إحساس العزلة الذي عاشه. النظام السياسي أو الاجتماعي في الخليج لا يفتح أفقاً على المستقبل للأجانب. على الأجنبي أن يعمل ويعمل دون أن يُظهر حقيقته الإنسانية. هكذا قال ثم يقول إنه ركب سيارة فاخرة وجمع ثروة مالية جيدة ما كان سيجمعها في بلده أو أي بلد ثري ككندا ولكن إحساسه بأنه رهينة كفيله جعله يعيش طوال حياته في الخليج قلقاً. كل ما يحصل عليه قابل للزوال في لحظة. لا توفر دول الخليج الأمان للإنسان الأجنبي الذي يعمل فيها: كل عامل ماهر يعمل في دول الخليج لديه خطة بديلة. بعضهم حسب قوله أمضى أكثر من ثلاثين سنة وزهرة أيامه يعيش يوما بيوم كعابر سبيل. لا يوجد ما يشجعه على تعلم اللغة العربية أو الاستثمار في داخل البلد أو حتى إقامة صداقات دائمة. لا يعرف أي شيء عن فنون البلد أو آدابها أو حتى قضاياها اليومية. تعلّم الكثير في البلد ثم أخذ ما تعلمه معه إلى كندا. ذكّرني كلامه بتجربتي الشخصية في الاتصالات السعودية. في الواقع كانت تجربتي تلك مقاربة للإجابة عن سؤال كبير: لماذا لم تصبح المملكة من الدول المتقدمة رغم أنها صرفت بلايين الريالات على التنمية؟ نقلا عن الجزيرة