من الضروري الترحيب بالأخبار التي تفيد أنّ الحكومتين السعودية والبحرينية تدرسان تطبيق إصلاحات جذرية على نظام الكفيل الذي ينصّ على أن يكون للعمّال الأجانب كفيل محلّي. وكما قيل على مرّ عقود عدّة، أدّى هذا النظام إلى توفير ظروف أتاحت استغلال هؤلاء العمال بشكلٍ كبير. وقد أصبحوا بذلك عرضةً لنزوات بعض مستخدميهم، الذين عمدوا من دون أي مجال للنقاش، إلى سحب جوازات سفر العمال، ليضمنوا بقاءهم تحت سيطرتهم. ولم تستثن هذه الممارسة الأساتذة الأجانب الذين توظفوا في جامعة البحرين في الثمانينات. أما النقطة الأهم من وجهة النظر الحكومية فهي أنّه من خلال نقل مسؤولية تطبيق القوانين المتعلّقة بالعمال الاجانب إلى المواطنين الأفراد، بات أصعب بكثير إعداد سياسات متماسكة وتطبيقها، بحيث تهدف الى الحدّ من الاعتماد على العمال الأجانب. وكما أشرت في تقريري حول حقوق الأقليات على صعيد "العمّال المهاجرين في الخليج" والذي تم نشره في العام 1985، أنّه في الوقت الذي قد يأسف فيه المجتمع في الكويت والبحرين للاعتماد على العمال الأجانب، فقد منح نظام الكفيل المواطنين إمكانيات عديدة لاستغلال الوضع لمنافع شخصية. ويشمل ذلك جلب عدد من العمال يفوق العدد الذي يحتاج البلد إليه والقيام ب «بيعهم» لاحقاً وصولاً إلى توفير خدم في المنازل بعد أن تم التعاقد معهم في بادىء الأمر على أساس استخدامهم في مجال الأعمال. وجاء في تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية أيضاً أن الحكومة السعودية تحاول تعديل النظام منذ بعض الوقت، لا سيما أنه يؤثّر سلباً على المستخدمين في المنازل، وبوجهٍ عام النساء منهم، إذ تشكّلن الفئة الأكثر امكانية للتعرض للاستغلال ضمن العمالة الاجنبية. ففي العام 1997، أنشأت الحكومة السعودية مركزاً لتلقي الشكاوى فضلاً عن ملاجئ تأوي الخادمات اللواتي تمكنّ من الهرب من المعاملة السيئة. وحالياً، تدرس الحكومة السعودية نظاماً تنتقل بموجبه مسؤولية التحكم بالعمالة الأجنبية من المستخدمين الفردييّن إلى ثلاث أو أربع وكالات توظيف وطنية، تصحبها اجراءات للحدّ من ساعات العمل. واعتمدت الحكومة اجراءات لتسهيل عملية تغيير الكفلاء ضمن إداراتها الخاصة، نظراً لكونها هي التي تضطلع بدور الكفيل لعددٍ كبير من العمال الأجانب الذين تقوم بتوظيفهم. وعلى رغم أن القليل من الإجراءات اتخذت عبر التاريخ حيال هذه المسألة، إلاّ أنّه يبدو أن أصول النظام بحدّ ذاته حديثة نوعاً ما، وعلى الأرجح لا تعود إلى أبعد من الفورة النفطية في أوساط السبعينات. وقبل ذلك، وانطلاقاً مما هو معروف عن تاريخ البحرين مثلاً، استمرت الحكومات الخليجية في تحمّل مسؤولية العمالة الوافدة. ووفقاً لنيليدا فوكارو، التي وضعت أخيراً كتاباً ممتازاً عن التنمية المحلية في البحرين، شرعت الحكومة في وضع أسس تنظيمية لحل مشكلة الهجرة الوافدة من خلال قيام السلطات البلدية وهيئة المرفأ بإصدار جوازات سفر وتأشيرات منذ وقت طويل، يعود الى بداية العشرينات من القرن الماضي. لكن لم يتم اعتماد سياسة جديدة لمحاولة الحد من سلبيات العمالة الاجنبية عن طريق الإصرار على قيام أصحاب العمل بترتيب عقد مدته سنتان إلاّ بعد الطفرة النفطية في بداية السبعينات، عندما ازداد الطلب على العمال الأجانب والخوف من تكاثرهم بشكلٍ لا مثيل له. ولا شك أن المسألة الأكثر تشجيعاً على إجراءٍ مماثلٍ تتمثل بكون معظم العمال الجدد، وللمرة الأولى، من آسيا وليس من الدول العربية المجاورة. والمأمول حالياً أن تكون الحكومات الخليجية هي التي تسعى إلى تحمّل المسؤولية كاملةً تجاه إعداد سياسات لتنظيم العمالة الاجنبية، تماماً كما فعلت قبل اعتماد نظام الكفيل. وهذا ما ناقشته في تقريري عن حقوق الأقليات. فحاولت أن أبرهن أوّلاً، أنّه يجب على الحكومات أن تعترف بالحاجة إلى العمال المهاجرين على انها حاجة دائمة لن تختفي؛ وثانياً، بالنسبة الى العمال ذوي الاقامة القصيرة، تكمن الوسائل الوحيدة والفعالة لحمايتهم في التخلي عن نظام الكفيل والتعامل معهم على أساس انتهاك قانون العمل عن طريق الاجراءات والانظمة العادية المتوفرة في دول العالم كافة تقريباً. والنتيجة برأيي، هي تسهيل ضبط الحكومات لعملية جلب العمال الاجانب من دون الحاجة الى وساطة الكفلاء. بيد أنّ هذه المسائل لا تعني بالضرورة أنّ نظام الكفيل هو المسؤول عن كل مشاكل العمالة الوافدة. فمن المرجح أنّ مستخدمي العمال المكسيكيين في المزارع في كاليفورنيا مثلاً، يضعون هؤلاء العمال في ثكنات شبيهة بالسجن كما في أي بقعة من بقاع الأرض. وحتى يومنا هذا أيضاً، لم تأت الغرامات التي يدفعها الأميركيون لدى استخدامهم بطريقة غير شرعية للسائقين والمربيات والخادمات والعمال الذين يهتمون بحدائقهم بأي نتيجة، ولم تمنعهم من فرض رواتب متدنية مقابل ساعات العمل الطويلة التي يقوم بها هؤلاء. وأوردت صحيفة "فاينانشال تايمز" أيضاً، أنّ إبطال نظام الكفيل سيواجه مقاومةً عنيفةً وبخاصة من قبل الجهات التي استفادت بشكل كبير من هذا النظام. ولا تشمل هذه الجهات فقط أفراد المواطنين، بل وكالات التوظيف التي تفرض رسوماً عالية مقابل خدماتها في حين تقوم في معظم الأوقات بمخالفات من خلال نقل العمال من مستخدم إلى آخر بهدف زيادة النفقات. ونظراً إلى هذه الأسباب ولأخرى، لن يكون إبطال النظام بالأمر السهل. على رغم ذلك ستكون نهاية الكفالة الفردية بمثابة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. فهل من الممكن أن يكثر شيوع هذه الحالة، مع مرور الوقت، من خلال إدخال نوع من أنواع نظام البطاقة الخضراء الأميركية التي تمنح العمال الأجانب الذين يبقون لأكثر من سنتين في البلد الذي يعملون فيه الحق بالذهاب والإياب، وتغيير الوظائف، واكتساب المزيد من التعلمّ والتدريب من دون أي عوائق؟ على هذا الامل وفي الوقت الحاضر، لا بد من الترحيب بأن هناك قناعة بأن نظام الكفيل قد استنفد المنافع المتوخاة منه، كما انه يبقى بالنسبة الى بعض الفئات مصدراً لعذابات إنسانية لا يمكن إحصاؤها. * اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد