على موقعه الإلكتروني يكتب المدون السعودي، عبدالعزيز الأسمر، بادرة تعقيب وترحيب بالقرار الملكي الأخير بتغيير بعض المواد في لائحة المطبوعات والنشر. وبالطبع سأقف عند جملته وهو يقول: سنحترم أي قرار يحفظ لأي شخصية، اعتبارية كانت أو لم تكن، حقها الإنساني وكرامتها من التجاوز والإهانة، ولكن: من هو الذي سيحفظ حقوق الآلاف من وصمة – الليبرالي – الشائعة التي تبيعها آلاف الأفواه الأخرى بثمن بخس لمجرد أن تطرق فكرة تختلف مع السائد الاجتماعي، ومن هو الذي سيحفظ حقوق الآلاف أيضاً من تهمة – العلماني – التي تبيعها آلاف الأفواه المضادة، بلا ثمن، لمجرد أن تكتب عن فكرة حتى ولو كانت من باب الاجتهاد المفتوح في المسائل العامة ولكنها تختلف مع السائد المحلي. وأنا هنا لا أصادر أسئلته المشروعة إن كان المدون الأسمر يتحدث عما يخص المنشور الذي تناوله الأمر الملكي ولكنني أختلف معه في فهمه استنباطاً وتحليلاً للغة القرار الملكي السامي ولمقاصده السامية. هو بتكريس هذا الفهم الخاطئ يسجل أول نقطة انهزام لمدرسة الاختلاف المحمود – الحميد في الرأي حين يظن أن صيغة القرار الملكي تحمي فريقاً على حساب فريق أو تضع مجموعة تحت أنياب الحصار والمحاكمة للجماعة المقابلة. القرار الملكي السامي الكريم لا يحجب متراً واحداً من الحرية المسؤولة مثلما لا يصادر حرية نقاش الأفكار ولا النقد الموضوعي الهادف. القرار يضع فرقاً واضحاً لا لبس فيه ما بين – الهدف – و – الاستهداف. الهدف هو الفكرة وهذا متاح لا غبار إليه ولا عليه، والاستهداف هو الشخصنة العبثية التي تجعل بعضنا البعض يكيل التهم ويطلق الأوصاف ونعوت الاستنقاص والقدح في العقائد وفي الذمم. على العكس، تستطيع الآن، وتحت طائلة القانون وفوق طاولته أن تشتكي، فرداً كنت أو مجموعة، كل من يستسهل لوك هذه الألفاظ لأن – العلمنة – واللبرلة، تهم تخالف نص القرار لأنها تخالف – نصوص أحكام الشريعة – مثلما كانت لغة القرار بالضبط وتستطيع أيضاً أن تذهب لهذا القانون الواضح المكتوب عند التهمة بالخيانة الوطنية لأن التهمة بلا إثبات إنما – تزرع الفتن – في جدار الوحدة الوطنية وهذه فقرة جوهرية. والقضية الأساس في كل هذا الجدل برمته، أننا نضع أنفسنا مباشرة أمام تفسير القانون ونخلق من أنفسنا اختصاصيين في شرحه وتأويله. هذه ليست مهمتنا على الإطلاق لأن تفسير لوائح القانون متروكة للجان الإشرافية والحقوقية والقضائية التي يكفلها ذات النظام، وحتى الأمر الملكي الأخير واضح في تفصيل هذه الإجرائية الجوهرية. وخذ بالمثال الفقرة المعدلة التي تحظر أن تنشر أي وسيلة إعلامية (ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة). فأولاً، هذه القضية هي جوهر أخلاق ومبادئ مجتمع وبلد، والجديد فيها هو التأكيد على ما هو ثابت أصيل وقديم في ذات الوقت. والفارق بين – العوام – وبين – الاختصاصيين فيما يخص هذا التعديل هو أن لا نقفز مباشرة إلى تفصيل فهمنا التلقائي على ما تعنيه مخالفة أحكام الشريعة فهذا أمر متروك بالكامل للجان الابتداء والاستئناف للنظر فيما إذا كانت – القضية – مثار الجدل، افتراضاً – تخضع لهذه المادة حكماً وقانوناً أو لا تخضع. واللجنة فقهاً وقانوناً تدرك تماماً أن أحكام الشريعة الغراء طيف واسع قابل للاجتهاد والاختلاف ومتشعب في تفصيل الأحكام على القضايا والنوازل الفقهية المختلفة وأن ذات الأحكام في الشريعة تتقابل وتتضاد في الآراء تبعاً للطيف المذهبي الواسع وعطفاً على الإرث العلمي الضخم المليء بالتباين حول القضايا طوال تاريخ دراسة الأحكام الشرعية. ولأنه لا توجد مسطرة قياسية ثابتة لوضع الأحكام على القضايا، كان الأمر الملكي الكريم بأن يخضع مثل هذا – الجنح – في النشر لأهل الاختصاص، وهو إجراء يهدف بكل تأكيد إلى بتر أي قراءة سطحية وساذجة يظن بها البعض أن في تعديل هذه المواد ما يكبت الحريات أو يقيد حدود المتاح في الكتابة أو النشر. وبالعكس أنا أقرأ أن في الأمر الملكي ما يكفل حقوق الجميع من نقاش الأفكار طالما كانت الأفكار هي الهدف بعيداً عن الجنح في الاستهزاء بثابت مقدس. أنا لا أعتقد أن القرار الملكي ينتصر لمدرسة على حساب أخرى ولا يكبت اجتهاداً يناقش الاجتهاد المقابل، بل أظن أن القرار يعطي الجميع حصانة قانونية ضد الانتقاص والشخصنة. مشكلتنا على الدوام أننا نظن أن سن القوانين يقضم هوامش الحرية بينما الصحيح هو العكس أن القانون يضبط مسار الحرية. نقلا عن الوطن السعودية