لن تشارك السعوديات في الانتخابات ولن يسمح لها حتى في التصويت، لماذا؟ ألسنا نزعم بأننا مجتمع متدين! ألسنا نزعم أمام العالمين بأننا مسلمون وأن الإسلام قد أنصف المرأة! ألسنا ندَّعي بأننا نقدِّر المرأة ونحترمها، بينما غيرنا من الشعوب يمتهنها! لعمري لا امتهان لبشر أعظم من الاستخفاف بعقله، واتهام نصف جنسه بأنه ليس أهلاً للمشورة والرأي. نعم نحن مجتمع ذكوري يستحقر عقل المرأة ويستخف برأيها، وذلك بإبعادها عن المشاركة في الانتخابات. ويا ليتنا وقفنا عند هذا الحد، بل إننا منعناها حتى من حقها في التصويت، وكأنها ليست منا وكأن الوطن ليس وطنها. أدين هذا؟ لا والذي بعث محمداً. أوطنية هذه؟ لا والذي جمع البلاد ووحَّدها على يد المؤسس الأول. أحضارة هذه؟ لا والذي أنزل سورة النساء وجعلهن شقائق الرجال. أعادات الجاهلية هذه؟ نعم والذي أنزل في ذم الجاهليين معيباً عليهم حججهم، قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}. كيف يكون هذا ديناً ورسولنا عليه السلام شاور زينب بنت جحش وهي ضرة عائشة رضي الله عنهما في حديث الإفك. بل لم يقتصر الرسول عليه السلام في أخذ رأي المرأة ذات المكانة في عظائم الأمور، بل إنه عليه السلام استشرف رأي بريرة الجارية في حديث الإفك. كيف يكون هذا وطنية ورسولنا عليه السلام لم يستهن برجاحة عقول النساء فشاور أم سلمة في الحديبية في موقف عصيب مشهود لأمة الإسلام عندما لم يطعه الناس فكان رأيها هو الرأي المسدد. كيف يكون هذا حضارة ولم تكن إلا المرأة هي موضع سره وملجؤه عليه السلام في أعظم أمر ألمَّ به وذلك عندما ضمه جبريل عليه السلام إيذاناً ببدء حضارة الإسلام ببدء الوحي والنبوة عندما قال لخديجة: أي خديجة ما لي؟ وأخبرها الخبر فأشارت عليه. كيف وقد جعلهن عليه السلام شقائق الرجال فأجار من أجارته أم هانئ كاسراً لقول علي رضي الله عنه. (وكل ما مضى من الشواهد في البخاري ومسلم). هذا بعض هدي نبينا في تقديره لفكر المرأة ورأيها وعقلها فما لنا نترك هديه عليه السلام ونقدم هدي غيره؟ نعم، ما منع المرأة من الانتخابات والتصويت إلا بقايا من عادات الجاهلية التي ورثناها عن طريق كتب التراث لا الدين. ومن ذلك أذكر أنني قرأت في فتح البارئ قولاً لابن حجر العسقلاني، وهو من هو، شيخ شيوخ الحديث، يقول كلاماً ما معناه: (ألا ترى أن المرأة الحائض إذا لمست الزرع أفسدته وإن لم تكن حائضاً لم تفسده). وكأنه - رحمه الله - يستشهد بحقيقة لا نزاع فيها، وما الحقيقة والله إلا أن النظرة الدونية للمرأة قد تأصَّلت في ثقافتنا منذ عصر الجاهلية رغم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من إكرامه لعقلها واحترامه لشخصيتها. من أراد أن يفهم ويدرك خلفيات منع المرأة من الانتخابات والتصويت فليرجع إلى أحكام الفقه الحنبلي (كالروض المربع) في أحكام الحيض ليرى كيف هي نظرة ثقافتنا إلى المرأة التي نتج عنها وضع أغلال وإصرار عليها ما أنزل الله بها من سلطان، وما هو مقدار الاستهانة بها وما يجر عليها من المشاق والآلام كقولهم «تصوم وتقضي احتياطاً». وفقه القرون الوسطى للمسلمين لم تتعده الأمة بل ما زالت توابعه وآثاره إلى اليوم، ومن ذلك منع المرأة من التصويت، فلماذا؟ هل من جواب ديني أو منطقي أجيب به أمي وأختي وابنتي؟ إن مما سكت عنه أن العادة قد تنسي الحقيقة أحياناً ولو أننا تأملنا حقيقة منع المرأة من الانتخابات والتصويت لاستحينا أن نقابل أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، ونحن قد تعاهدنا كمجتمع ذكوري على ازدراء عقولهن وعدم الاكتراث بإنسانيتهن، فما تفرق الإنسانية عن الحيوانية إلا بالعقول. نقلا عن الجزيرة