في العطلة الأخيرة، كان مشهد مئات الأسر السعودية التي تزاحمت لحجز الطاولات في المقاهي المتجاورة في إحدى المدن الخليجية يثير غصة في النفس، حيث جاءت هذه الأسر ودفعت كل ما ادخرته لأشهر، فقط كي تشرب فنجان قهوة دون إزعاج، النساء محجبات، والرجال يمرحون مع أطفالهم الذين يلبسون أحذية التزحلق أو يتناولون الآيس كريم، لا يوجد أي شيء مريب في تصرفاتهم، ومع ذلك، فإنه يصعب عليهم أن يعيشوا مثل هذه اللحظة الهانئة في بلدهم الكبير ذي الإمكانيات الجبارة، فمن أجل عيون شخص أو اثنين أو حتى مليون شخص منغلق فكريا يحرم هؤلاء من نزهة عائلية بريئة في بلادهم. قالوا إن السينما حرام، رغم أن وجود دار العرض السينمائي يسهل مراقبة الأفلام واختيار المناسب منها، بعكس دفع الشباب لمتابعة الأفلام السينمائية عبر القنوات المشفرة أو الإنترنت.. فقلنا (ماشي الحال ما باليد حيلة)، وأصبح الكثير من المواطنين يسافرون فقط من أجل مشاهدة السينما، وهذه نكتة تاريخية تضحك العالم أجمع وتبكينا نحن، قالوا الحفلات الغنائية ممنوعة، رغم أن أشهر المطربين العرب سعوديون، وأشهر شركات الإنتاج الموسيقي مملوكة لسعوديين.. قلنا (ماشي الحال ما باليد حيلة)، قالوا الأضواء الخافتة في المطاعم ممنوعة!.. قلنا (ماشي الحال ما باليد حيلة) نذهب إلى المطاعم تحت الأضواء الكاشفة الخاصة بملاعب كرة القدم، فنحن ليس لدينا ما نخفيه، ولنمنح الفرصة للمحتسبين كي يبحلقوا فينا كما يشاؤون فيتأكدوا بأننا لا نمارس عملا خاطئا، واليوم يقولون لنا إن الكتب حرام!، ومعرض الكتاب حرام!، بل طالبوا بوجود باب للنساء وباب للرجال، بحيث إذا وصلت المعرض مع زوجتك تدور هي حول المبنى كي تدخل من باب النساء وتذهب أنت إلى باب الرجال، ثم تلتقيان في الداخل في لحظة رومانسية خالدة، فتقول لها: (وأخيرا التقينا يا حياتي)!. أنا لا أعرف كيف لم يعترض المحتسبون على تنفسنا الأوكسجين الموجود في الهواء حتى اليوم؟!، وأقدر لهم منحنا حرية الشهيق والزفير، رغم ما قد يخالط هذا الأمر من شبهات شرعية!، لذلك أهديهم قصيدة الشاعر الجميل والصديق الأجمل زايد الرويس، التي أرسلها لي بعد الهجمة الاحتسابية المرعبة على معرض الكتاب: (يا ناس خلونا نعيش.. أيامنا وأحلامنا، جنحاننا من دون ريش.. وعجزت تسير أقدامنا، ما بين الأحمد والدويش..، وهجمة على إعلامنا، هذا يثور وذا يطيش.. وهذا يصيح : إسلامنا!، كأننا كفرة قريش.. وهذي الكتب أصنامنا!، معرض كتب والا حشيش؟!!.. يا محرقين أحلامنا، عيشوا وخلونا نعيش... أيامكم وايامنا).. صح لسانك يا زايد!. نقلا عن عكاظ