الأعمال الكبيرة دائما يكثر المتطفلون عليها والراكبون على أمواجها. وما حدث في مصر خلال الأسابيع الماضية عمل كبير بلا شك، اهتم به الإعلام العالمي بشكل يوازي أحيانا الإعلام العربي الذي شُغل به ليل نهار. ولأن ما حدث في مصر عمل كبير (سمي ثورة وسمي انتفاضة) فإنه يوجد من يريد أن يجيّره لصالحه ويدعي أن له نصيبا في تفجيره. هناك من ركب الموجة وامتطى صهوة الأحداث زاعما أن أحداث «ميدان التحرير» ما هي إلا صدى لأحداث حصلت في شوارع مدنه وساحاته العامة، ناسيا أن الذين يصنعون أحداث ميدان التحرير يسخرون منه ومن محاولاته الممجوجة تجيير مكتسبات انتفاضة الشباب المصري لصالحه. تعجب وأنت ترى الكثير ممن يصرخون بتأييد انتفاضة الشباب المصري ممن أصلا لا يروقهم رؤية الشعوب حرة، تختار من تشاء ليحكمها. شيء طريف ومضحك أن يخرج علينا «الولي الفقيه» الإيراني بكلام عربي في خطبة الجمعة قبل الماضية ليعلن تأييده لمطالب جموع المتظاهرين في مصر، وهو الذي أصدر أوامره الصارمة باستخدام أبشع الأساليب القمعية لمواجهة الشباب الإيراني الذي ملأ شوارع طهران وعددا من المدن الإيرانية، ناشدا نسائم الحرية والانعتاق من ربقة نظام مستند على كم هائل من الميثولوجيا الدينية. شيء عجيب أن يدعم خامنئي «شباب مصر»، وكأن يده ليست ملطخة بدم «ندا سلطان» التي لفظت أنفاسها أمام عدسات كاميرات التلفزة العالمية أثناء مظاهرات الإيرانيين ضد النظام في العام 2009. وكأن النظام كذلك لم تتلطخ يده بدماء غزيرة لشباب وشيوخ قضوا على حبال المشانق أو في ميادين التظاهر في طهران عدا عن السجون المفتوحة لمعارضي النظام حتى وإن كانوا على النهج الخميني ذاته. لن نصدق دعوة «الولي الفقيه» لتأييد مظاهرات شباب متطلع إلى المستقبل يريد أصلا الخروج من الكهوف التي مكث فيها طيلة عقود من الزمن. يستحيل أن تكون توجهات «آيات الله» العظام في إيران منسجمة مع طموحات الشباب العربي المصري في ميدان التحرير. والتجلي البسيط لهذه الاستحالة هو أن ثوار ميدان التحرير في معظمهم هم شباب «الفيسبوك» الذي ترفض سلطات «نائب الإمام» فتحه أمام متصفحي الشبكة العنكبوتية من الشباب الإيراني. والطريف أنه في الوقت الذي يبدي فيه «المرشد» تأييده للشباب المصري يقول المتظاهرون الشباب إنهم يرفضون خطاب «آية الله» العظمى، ويرفضون تدخله في الشأن المصري. ولعل الرسالة التي وصلت واضحة للملالي قد صرحت بأن لعبهم بات مكشوفا وممجوجا في الاستفادة شعبيا وجماهيريا من كل حدث على الساحة العربية. الحقيقة أن النظام الإيراني الذي ركب الموجة قد ووجه بإحراجين شديدين في الأيام الماضية: الأول من قبل ممثلي الشباب الذين رفضوا دعوته ونأوا بأنفسهم بعيدا عن الطفيليين من أية جهة جاءوا، والإحراج الثاني تمثل في أن المعارضة الإيرانية أرادت تنظيم مظاهرات مؤيدة للمظاهرات المصرية في إشارة إلى امتداد الحالة المصرية إلى شوارع طهران وليس العكس. نحن إذن أمام صورة مزدوجة قادمة من طهران يلوح فيها المرشد مؤيدا للمظاهرات المصرية ضد النظام المصري في جانب منها ويظهر فيها المرشد ذاته مانعا لمظاهرات المعارضة الإيرانية تأييدا لمظاهرات المصريين. والرسالة التي تبعثها الصورة واضحة تماما وهي أن «السيد علي» يريد أن يظهر بطولة «النموذج الإيراني أو ولاية الفقيه» التي يسوقها النظام في طهران على أنها «الإسلام المحمدي الأصيل» في مقابل إسلام آخر غير أصيل يدين به غالبية المسلمين الذين لا يؤمنون بالولي الفقيه. حرص المرشد إذن على الظهور بمظهر المؤيد للشباب المصري لا يعني محاولة فرض «ولاية الفقيه» على أنها هي «الإسلام المحمدي الصحيح» وحسب، بل إن هذا الحرص يعكس خشية «سماحة المرشد» من أن ترقص شوارع طهران على إيقاع مصري هذه المرة. ولعل بعض الإشارات توحي باحتمال هذه الخشية، حيث تردد في بعض أروقة المعارضة الإيرانية بعد رحيل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي تساؤلات عن مصير «السيد علي». طبعا المتابع لقناة «العالم» الإيرانية أو القنوات العربية الناطقة باسم إيران في بغداد وبيروت وحتى بعض المواقع الإلكترونية الإيرانية في اليمن وبعض دول الخليج، يلمح حرص الرسالة الإعلامية الإيرانية على الربط بين صورة الإيرانيين المحتشدين في الشوارع الإيرانية عام 1979 وصورة المصريين المحتشدين في ميدان التحرير عام 2011. مع أن الأصل هو العلاقة بين صورة شباب طهران في شوارع طهران عام 2009 وبين صورة شباب القاهرة في ميدان التحرير عام 2011، لأن المواطن العربي العادي لا يلمح أي أثر للثورة الخمينية في تشعبات الحدث المصري وتداعياته. وبالنسبة لوكلاء إيران، وهم كثر في المنطقة، فقد أبدوا مهارة لا بأس بها في مجاراة «سيدهم» في الترويج للعلاقة المزعومة بين ثورة جلبت نظاما ثيوقراطيا في إيران و«ثورة» تريد أن تجلب نظاما «ديمقراطيا» في مصر. رغم سخرية أهل ميدان التحرير من هذا الربط المزعوم، ورغم تصريحات «إخوان مصر» برفض تدخلات المرشد الإيراني في الشأن المصري. لن أتطرق للوكلاء الكبار لإيران في المنطقة، بل سأشير لوكيل صغير لا يزال تلميذا على ما يبدو في مدرسة «ولاية الفقيه»، ذلك الوكيل يمني هذه المرة للأسف هو سماحة مرشد «ثورة اليمن الإسلامية» حسب تسمية وكيل الإيرانيين الشيخ علي الكوراني، سماحة المرشد يحيى الحوثي دام «ظله الشريف» الذي أعلن عن تأييد جماعته للشباب المصري وحقهم في اختيار حكامهم وكأن جماعته تؤمن بالتغيير الديمقراطي السلمي الذي انتهجه شباب مصر، بل وكأن جماعته قد خرجت من كهوف النظريات القروسطية في حصر الإمامة في «البطنين» حسب فهمهم السقيم لنظرية الحكم في الإسلام. فهل نتصور أن يؤيد شخص يؤمن بحقه في الإمامة على أساس أنها حق إلهي مقدس له ولسلالته، مظاهرات شباب حر ديمقراطي خرج ليكون له الحق في اختيار حاكمه. وهل نصدق أن يحيى الحوثي الذي قال لي يوما وعلى الهواء «القرآن نزل في بيتنا» والذي أراد أن يحرجني يوما وعلى الهواء كذلك بتساؤله: لماذا يحكم من ليس من قريش ولا من البطنين؟ هذه العقلية الثيوقراطية يستحيل أن تؤمن بالديمقراطية وقيمها ومبادئها، وكلنا يتذكر والده عندما سئل هل تعترف بالديمقراطية: قال «ما ندري ما الديمقراطية هذه».، هل نتصور أن عقلية كهذه يمكن أن ترقى إلى مستوى أحلام شباب متحرر من مقولات القروسطيين الذين ما زالوا ينتهجون فكرا متخلفا يقتاتون عليه ويلقنونه لأبنائهم وأتباعهم في المدارس والحوزات؟ الجواب على التساؤل المذكور هو لا. نظرا للفارق الكبير بين أهداف وطموحات وأفكار وعقليات شباب «ميدان التحرير» وبين أفكار الراكبين على الموجة في طهران وبيروت وبغداد وحتى في السراديب الحوثية في اليمن. تقلا عن الشرق الاوسط كاتب يمني مقيم بلبنن