نيشيش: معاملة السعوديين مختلفة.. وجودار: الخروج لا يعد نهاية المشوار    بولونيا يعبر إلى نهائي السوبر الإيطالي ويضرب موعداً مع نابولي    ثيو هيرنانديز: الهلال الأفضل لي بعد كذب ميلان    الداخلية تسجّل 3 أرقام قياسية عالمية في «غينيس»    طقس بارد إلى شديد البرودة على شمال ووسط المملكة    مطار أبها الدولي يستقبل أولى الرحلات القادمة من عُمان    ترامب: "داعش" في سوريا يواجه ردا انتقاميا قاسياً جداً    الفضة عند ذروة قياسية والذهب يحقق مكاسب أسبوعية    قفز السعودية .. جان فير ميرين بطلاً للشوط المؤهل لكأس العالم 2026    جمعية الإعاقة السمعية في جازان تشارك في مبادرة «في الإعاقة طاقة وتميز» بمحافظة بيش    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان ملك المغرب بمناسبة فوز منتخب بلاده بكأس العرب 2025    الرئيس السوري يشكر ترمب على رفع العقوبات عن سوريا    الهلال يعلن غياب مالكوم عن التدريبات قبل مواجهة الشارقة    ضبط شخصين في عسير لترويجهما (4) كجم "قات"    ابتدائية منشبة بالدرب تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    البرلمان العربي يشارك في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية    ختام اللقاء العلمي ال21..تاريخ وحضارة الخرج عبر العصور    ارتفاع أسعار النفط بنحو 1%    جوارديولا يرفض التكهنات حول مستقبله    كتاب جدة يقيم ورشة لمهارات المقالة النقدية    الأمير سعود بن مشعل يزور «ونتر وندرلاند جدة»    مُحافظ الطائف يستقبل وفدًا من أعضاء مجلس الشورى    «زاتكا» تُحبط تهريب 187 ألف حبة كبتاجون بمطار الملك عبدالعزيز    المعيقلي: ولاية الله أساس الطمأنينة والإيمان    الحذيفي: التقوى وحسن الخلق ميزان الكرامة عند الله    جامعة تبوك تحتفل بحصول جميع برامج البكالوريوس على ⁧‫الاعتماد البرامجي‬⁩ بنسبة 100%    لولا يؤكد أنه سيستخدم حق النقض ضد قانون يخفض فترة سجن بولسونارو    «دوائر النور»    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا        مهرجان الرياض للمسرح يتألق في ثالث أيامه بعروض مسرحية وحفل غنائي    مزادات الأراضي تشتعل بصراع كبار التجار    نابولي يثأر من ميلان ويتأهل لنهائي كأس السوبر الإيطالي بالسعودية    إستراتيجية واشنطن في لبنان وسوريا بين الضغط على إسرائيل وسلاح حزب الله    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    أمير جازان يستقبل الفائز بالمركز الأول في مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    نعمة الذرية    تصعيد عسكري في كردفان.. الجيش السوداني يستهدف مواقع ل«الدعم السريع»    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    أكد أنه امتداد لدعم القطاع الصناعي من ولي العهد.. الخريف: القرار يعزز التنمية الصناعية ويطور القدرات الوطنية    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    ضبط أحزمة ناسفة وصواريخ.. تفكيك خلية تابعة ل«داعش» في إدلب    في ذمة الله    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي
نشر في الوكاد يوم 22 - 01 - 2011

على مدار التاريخ، كانت هناك حركات شعبية، يقودها ما يُطلق عليه اليوم "الشارع". وكانت هذه الحركات تُحقق في بعض الأحيان أهدافاً سامية للوطن والمواطنين. ولكن أضرارها وكوارثها، كانت في معظم الأحيان، أكثر من حسناتها، وفضائلها. ولهذا كان نيتشه (الفيلسوف الألماني) يقول إن "العامة لا عقل لها". فقد قرأنا كثيراً، أن الجموع، أو ما يطلق عليه (الجماهير)، لا عقل لها، وإنما تسيّرها العواطف، والشعارات، والخطابات الحماسية.
-2-
وفي العصر الحديث، وخاصة في القرن العشرين، سيّر "الشارع العربي"؛ أي (الجمهور) الكثير من الشؤون العربية، التي عادت على العرب بالكوارث والهزائم. ونحن ما زلنا نذكر، كيف كان عبد الناصر، خلال حكمه الذي امتد 19 عاماً (1952-1971) ينقاد في قراراته المصيرية (هزيمة 1967) إلى نداءات وهتافات الجماهير. وهو (السياسي الجماهيري)، الذي كان ينقاد للجماهير أكثر من انقياده للمفكرين والمثقفين والمخططين السياسيين وللمؤسسات الدستورية السياسية (الأحزاب، والنقابات، ومجلس الشعب والشورى). وحيث تعلو أصوات الجماهير، وتختفي وظيفة المثقف للدفاع عن الحقيقة ضد الغوغاء (الجماهير)، والدفاع عن العقل ضد النقل، وعن التفكير ضد التكفير، وعن التجديد ضد التقليد، وعن الحداثة ضد القدامة، وعن الصيرورة ضد الاستمرارية، وعن المتغيرات التاريخية ضد الثوابت العابرة للتاريخ، وعن التقدم المعرفي والاجتماعي ضد التمسك السقيم العقيم، وعن ضرورة نقد الذات لجعلها معاصرة لعصرها ضد تمجيد الذات النرجسي المتخلف والمُخلِّف للوعي. وأخيرا الدفاع عن الحضارة ضد السقوط في الهمجية، كما قال المفكر التونسي العفيف الأخضر، في بحثه (النكوص في إيران، مجلة "أدب ونقد"، القاهرة، 1994).
-3-
في كتاب (الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة) لداريوش شايجان Shayegan الفيلسوف الإيراني المعاصر، المقيم في باريس، ومدير المركز الإيراني للدراسات الحضارية، ومدير معهد الدراسات الإسماعيلية في باريس، ومؤلف عدة كتب منها: "أوهام الهوية"، و"النظرة المبتورة" وغيرهما من الكتب بالفارسية والفرنسية، والمعنية بالشأن الديني/السياسي في إيران.. يؤكد شايجان، أن "أدلجة الأديان تخفي خطراً مرعباً، يتمثل في انفلات السلوك اللاعقلاني للجماهير." (ص274) وهو ما قامت به في العالم العربي جماعات وحركات "الإسلام السياسي"، وعلى رأسها "جماعة الإخوان المسلمين" و "حزب التحرير" الإسلامي، وتنظيم "القاعدة" الإرهابي، وغيرهم. وهؤلاء جميعاً، مع غيرهم من جماعات "الإسلام السياسي" في العالم العربي، كانوا يدركون تماماً سيكولوجية الجماهير، التي شرحها بالتفصيل الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون، في كتابه (سيكولوجية الجماهير، 1934) وعرفوا تماماً وبذكاء شديد، كيف يستغلّون عواطف الجماهير- لا عقولهم- لأغراضهم السياسية، حيث لا عقل لهذه الجماهير، كما قال جمال الدين الأفغاني (1839-1897) من أن "العقل لا يوافق الجماهير، وتعاليمه لا تفقهها إلا نخبة من المتنورين". ومن هنا، يقول الإرهابي المتأسلم، أيمن الظواهري، في كتابه الأخير "فرسان تحت راية النبي": "إن تحرير فلسطين هدف ثانوي للقاعدة، ولكننا مضطرون لتبنّيه، لأن الجماهير لا تفهم. ولا بُدَّ لها من وقت طويل لكي تفهم!"
-4-
إن أخطر ما أصاب دعوة الأديان في العصر الحديث، الاستغلال السياسي والتجاري لهذه الأديان، وخاصة الأديان السماوية الثلاثة. وتكمن هذه الخطورة في الأفكار الأسطورية الخرافية التي أُلبست لهذه الأديان قسراً، وتعسفاً، وظلماً. ومن هنا، أنتجت جماعات "الإسلام السياسي" لغة دينية سحرية، مُشعوِذَة، خادعة للجماهير، فيها استعمال مكثف للبلاغة والمجاز، ومليئة بالأقوال المأثورة، وبالنصوص الدينية المُحرَّفة و(الملويَّة) أعناقها، المُهيّجة لعواطف الجماهير، لكي تخدم الغرض السياسي المُستهدَف، خاصة أن الكتب المقدسة، وعلى وجه الخصوص القرآن الكريم، "حمّال أوجه"، كما قيل. ومن هنا أصبح التطرف الديني، الذي تتبناه هذه الجماعات في معظم خطاباتها "لا يمتُّ في الواقع إلى الإسلام بصلة" كما قال شايغان في حوار مع نجوى بركات (موقع "الأوان"، 9 /1 /2011).
كذلك، فإن تذويب الفرد في الجماهير، وإعطاء القائد الديني دوراً استثنائياً، يؤدي إلى إلغاء المؤسسات الدستورية، كما هو الحال الآن في إيران، حيث إن "المرشد الأعلى"، هو الدكتاتور الديني، الذي لا يُردُّ، ولا يُصدُّ، ولا يُسأل عمّا يفعل. وهو ما يتنافى مع المشروع السياسي الحديث، الذي تصنعه، وتنفذه مؤسسات مستقلة، عن مزاج وفانتازيات الحاكم الفرد.
-5-
ولم يقتصر سحر وخداع الجماهير على دعاة "الإسلام السياسي" فقط، بل تعداه أيضاً إلى بعض العَلْمانيين، حيث مارس هؤلاء الأساليب نفسها، التي مارسها دعاة "الإسلام السياسي". ولكن أساليب العَلْمانيين هؤلاء، كانت خالية من التوسُّل بالشرعية الدينية، وإنما كان هناك التوسُّل الكاذب بالثورة، والاشتراكية، والعدالة، وبباقي الشعارات "التقدمية". وهو ما مارسه الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية على الشعوب التي حكمتها. وهو أيضاً ما مارسته الدكتاتورية العربية القومية، وخاصة في عهد عبد الناصر، وحكم حزب البعث في العراق وسورية. وهكذا - كما يقول العفيف الأخضر - "لا يتوانى الزعيم الديني، أو السياسي، في وضع نفسه على خط الجماهير، ليفكر بأهوائها السياسية، وأوهامها عن نفسها وهذيانها الجماعي، كما كان يفكر شاعر القبيلة في غابر الزمان." (محامي الشيطان، ص 237).
-6-
من الضروري أن نقرأ، ونعيد قراءة كتاب شايجان، خاصة في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي يمر بها العالم العربي، الذي تُهيِّج شوارعه وجماهيره وسائل إعلام مختلفة، لا تعي تماماً معنى "اللعب بنار الشوارع العربية". ويقول شايغان، عن هؤلاء المحرضين، واصفاً شخصياتهم وصفاً دقيقاً، جديراً بالتأمل والحفظ: "إنهم غير عقلاء. لذا، فكل الحجج والبراهين لا تصمد أمام قناعاتهم الراسخة. إذ إن أساليهم في العمل ترتكز على الجزم، والتكرار الهلوسي، بطريقة تستحوذ على السامع. ومفتاح شخصياتهم، يرتبط بقدرتهم على إحاطة أنفسهم بهيبة، تعتمد في جوهرها على منع الناس من رؤية الأشياء على حقيقتها، وعلى شَلِّ تفكيرهم". كما يقول غوستاف لوبون Le Bon في كتابه (سيكولوجية الجماهير، ص110).
نقلا عن الوطن السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.