تثير التطورات في مسار التحول إلى الاقتصاد المعرفي التي نعيشها اليوم على مختلف المستويات, الكثير من التساؤلات حول قدرة إدارات تقنية المعلومات في مؤسساتنا على الاستجابة للضغوط المتزايدة لسرعة تفعيل دور المعلومات وتقنياتها كمحرك رئيس لدفع عجلة التحول وتحقيق أهداف التنمية الوطنية. ويواجه مديرو تقنية المعلومات بصورة عامة العديد من التحديات نتيجة للتطورات المتلاحقة سواء على مستوى الاقتصاد العالمي أو مستوى صناعة تقنية المعلومات، أو مستوى بيئة وأساليب العمل في المؤسسات، إلا أن التطورات المحلية الأخيرة أصبحت تشكل تحدياً حقيقياً للأفكار النمطية ونماذج العمل السائدة في إدارات تقنية المعلومات في مؤسساتنا التي ما زالت تتمحور بشكل أساسي حول تجهيز البنية التحتية لتقنية المعلومات من أجهزة وبرامج، وتطوير التطبيقات وفق احتياجات العمل في المؤسسة، وتقديم الدعم والمساندة الفنية للمستخدمين. ورغم أن العديد من إدارات تقنية المعلومات في مؤسساتنا الحكومية والخاصة تمكنت من تحقيق مستوى جيد من النضج في تقديم خدمات تقنية المعلومات، ما زالت الأغلبية من المؤسسات تنظر إلى إدارة تقنية المعلومات كإدارة خدمية تقوم بتقديم خدمات تقنية المعلومات بناء على احتياجات أعمال المؤسسة، كما تنظر إلى أصول الإدارة من معلومات وتقنيات كوسائل لتقديم الخدمة إلى إدارات المؤسسة الأخرى، ويقع على عاتق المستخدمين مسؤولية تحقيق قيمة فعلية من الخدمات المقدمة. وهذه النظرة ما زالت هي الغالبة محلياً لعدة أسباب لعل من أهمها عدم وجود خطة استراتيجية لتقنية المعلومات، وعدم وجود إجراء معتمد للتقييم المنتظم للدور الحقيقي لتقنية المعلومات في المؤسسة، إضافة إلى نظر بعض المؤسسات إلى تقنية المعلومات على أنها مجرد مجموعة من المشاريع، كما يرى بعض المسؤولين أن وجود إدارة لتقنية المعلومات ضمن هيكل المؤسسة هو شر لا بد منه، بينما يتم استخدام تقنية المعلومات في مؤسسات أخرى دون رؤية محددة, إنما لمعالجة قضايا آنية محدودة بعيدة عن غاية وأهداف المؤسسة. وتملي ظروف المرحلة الحالية الحاجة إلى مستوى متقدم من النضج في تقديم خدمات تقنية المعلومات في مؤسساتنا بحيث تكون للمعلومات وتقنياتها قيمة فعليه في صميم عمل المؤسسة، ومساهمة ملموسة في تحقيق أهدافها، ودور مباشر في تطوير أعمالها، ويتطلب تحقيق ذلك أن يكون هناك مستوى عال من التعاون والتنسيق على المستوى الاستراتيجي والتشغيلي بين مديري تقنية المعلومات ومديري إدارات المؤسسة الأخرى، وأن تعمل إدارة تقنية المعلومات كشريك أساسي في وضع استراتيجية عمل المؤسسة، وأن تسهم بشكل مباشر في تطوير وتقديم خدماتها، وأن تصبح من الأصول الرئيسة وجزءا أساسيا من صميم خبرات المؤسسة، وأن يتم النظر إلى قيمة ودور المعلومات وتقنياتها من خلال مستوى تطور قدرات وأداء المؤسسة. هذه المطالب ليست جديدة، فهي موجودة في أجندة كثير من مديري تقنية المعلومات منذ سنوات، إلا أن عدم الوضوح الذي لا يزال يكتنف محاولات تحقيق هذه المطالب، وعدم وجود استراتيجيات وخطط وبرامج زمنية محددة لتحقيقها في مؤسساتنا أصبح مثيراً للقلق في ظل متطلبات المرحلة الحالية التي تتزايد فيها الحاجة إلى سرعة تفعيل دور المعلومات وتقنياتها في تنفيذ سياسات وخطط وبرامج التنمية الوطنية. هناك إذاً حاجة عاجلة إلى مراجعة الأفكار النمطية ونماذج العمل السائدة في إدارات تقنية المعلومات وإعادة تعريف دور هذه الإدارات في مؤسساتنا، فرغم اقتناع الجميع بأهمية القوى المتعاظمة للمعلومات وتقنياتها، ما زالت كيفية توجيه هذه القوى لتحقيق التحول المطلوب تمثل تحدياً كبيراً ومهما يجب علينا التعامل معه بكثير من الحرص والتبصر. نقلا عن الاقتصادية