تنظيم الشاحنات الأجنبية يدخل حيز التنفيذ    التعاون يواجه تراكتور إيران    5 مواقع للتحلل من النسك    ضيوف خادم الحرمين للعمرة والزيارة يصلون مكة ويؤدون مناسك العمرة    فيصل بن مشعل يزور القضاة والمشايخ    الذهب يرتفع بفعل ضعف الدولار.. والأسهم الآسيوية تكسب بحذر    صندوق الاستثمارات العامة وجولدمان ساكس لإدارة الأصول يوقعان مذكرة تفاهم    الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام!    محلل إسرائيلي: حكومة نتنياهو تتصرف بشكل مغامر في جميع الجبهات    مجلس التنفيذيين اللبنانيين يعلق آمالاً كبيرة على نتائج زيارة الرئيس اللبناني    أمير المدينة يستقبل المهنئين بشهر رمضان    أمير الرياض يستقبل المهنئين برمضان من دبلوماسيين ومديري فروع حكومية    جوازات جدة تستقبل رحلات المعتمرين خلال رمضان    أمير الشرقية يستقبل سفير طاجيكستان.. ويطلع على أهداف "مقتدر"    أسعد بشيّه في ذمة الله    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    برعاية خادم الحرمين.. الأميرة فهدة بنت فلاح آل حثلين تكرّم الفائزات بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    «حماقي» يطمئن جمهوره على حالته الصحية بعد نقله إلى المستشفى    إعلامنا ما سنحققه غدًا    آثر من حدائق الإنسانية    أمير جازان يستقبل منسوبي الامارة المهنئين بشهر رمضان المبارك    اعتماد أسماء الفائزين بالمسابقة المحلية على "جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم"    «صم بصحة».. جهود توعوية لجودة الحياة    لصيام دون مخاطر.. إرشادات لمرضى السكري    عيضة السفياني ل «عكاظ»: عفوت عن قاتل ابني لوجه الله    علامة HONOR تكشف عن إستراتيجيتها المؤسسية الجديدة    مركز الملك سلمان يدشن مشروع سلة"إطعام" الرمضاني    أمير المدينة يطلع على الخطة التشغيلية لرئاسة الشؤون الدينية    هل تواصل أسعار تذاكر الطيران الارتفاع في 2025 ؟    القادة العرب يبدأون بالتوافد على القاهرة لحضور القمة الطارئة    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن وجبة الإفطار في الميدان    رغم الأزمات.. كم إنفاق الألمان على رحلات السفر ؟    مصادر ل«عكاظ»: الزلفي يتفق مع القروني    مَارَسَ الاحتيال.. «الفنانين العراقيين»: إيقاف مسار الحجامي 6 أشهر    محكمة مصرية تقضي بحبس مرتضى منصور 6 أشهر بتهمة سب محمود الخطيب    من «مسافر يطا» إلى «هوليوود».. فلسطين حاضرة في منصة تتويج «الأوسكار»    أمير القصيم يستقبل العساف بمناسبة تكليفه محافظًا للرس    مباريات الهلال من دون جواو كانسيلو    تحديد مدة غياب كانسيلو عن الهلال    لماذا استقال مساعد الرئيس الإيراني ؟    رابطة دوري روشن توضح: الأندية هي المعنية بتحديد أسعار تذاكر المباريات التي تستضيفها    مبادرة ل «مكافحة التستر» لتمكين الامتياز في نشاط صيانة السيارات    المملكة تحيي ذكرى «يوم شهيد الصحة»    جرائم الاحتلال تتواصل.. 4 شهداء وإصابات في غزة    السلمي يحتفل بيوم التأسيس مع "التوفيق" لرعاية الأيتام    5 مطارات تتصدر مواعيد الرحلات    السجن ل «حمو بيكا» بتهمة حيازة سلاح    أمطار رعدية على مناطق المملكة حتى يوم الجمعة المقبل    في ختام الجولة 23 من دوري روشن.. الاتحاد يسقط في فخ التعادل أمام الأخدود    بدعم القيادة.. تدشين حملة «جود المناطق 2»    رمضان وإرادة التغيير    تصحيح فوضى الغرامات وسحب المركبات في المواقف    سرطان المريء في بريطانيا.. لماذا تسجل المملكة المتحدة أعلى معدلات الإصابة في أوروبا؟    بر سراة عبيدة توزع 1000 سلة غذائية    أُسرتا كيال والسليمان تتلقيان التعازي في فقيدهما    3500 قطعة أثرية تحت المجهر    جزر فرسان عبادات وعادات    الصميدي يتبرع لوالدته بجزء من كبده وينهي معاناتها مع المرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية المفهوم والواقع: الليبرالية مثالا
نشر في الوكاد يوم 14 - 01 - 2011

تطرح بعض المفاهيم الفكرية أو الثقافية بشكل أعم كحاجة إلى إعادة صياغة الواقع برؤية أكثر تعميقاً بحيث يمكن تحول المجتمعات من سياق إلى سياق آخر. هذا التحول أحيانا يكون سبباً في وجود مثل تلك المفاهيم باعتبارها نوعاً من الفعل الثقافي الذي يطمح إلى تجديد الرؤى في الواقع المعاش وتحسينه. هكذا تأتي المفاهيم كتفاعل بين الفكر والواقع أو كتفاعل مع متغيرات كثيرة فرضت ذاتها على المجتمع، إما عن طريق رؤى مثالية كجدلية فكرية بين متناقضات، كما يطرحها هيجل، أو عن طريق الرؤى المادية وصراع القوى والطبقات كما يطرحها الفكر الماركسي. لذلك تأتي بعض المفاهيم كنوع من الإجابات الفكرية لسؤال الواقع، وصياغة المفاهيم تعتبر في نظر جيل دولوز أحد أهم اشتغالات الفلسفة المعاصرة؛ بل هي اشتغالها الحديث.
ومع تبلور المفاهيم، فإن الواقع الثقافي يحاول دائما إعادة صياغة هذه المفاهيم، وتبيئتها ثقافياً مع الواقع الفعلي الذي يتناسب مع المعطيات التاريخية لمجتمع ما، دون مجتمع فيصبح لكل مجتمع مفاهيمه الخاصة التي لا بد أن تتغير مع الوقت لتغير الواقع ذاته وتغير المعطيات. هذا الشيء يقود إلى تغير الخطابات من شكل إلى شكل، ومن مكان إلى مكان، ومن زمن إلى زمن لاحق، والظروف التاريخية تعمل عملها في إعادة البلورة من جديد، إذ لا يمكن لنا نقل مفهوم دون الشوائب والعوالق الثقافية والاجتماعية التي تلازمه سواء كان مفهوماً فلسفياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو غيره، ذلك بسبب أن العوامل التي صيغت في مجتمع من المجتمعات تختلف بالضرورة عن مجتمع آخر.. هنا يكون من الطبيعي إنتاج مفاهيم وصيغ عديدة للمفهوم الواحد حسب الرؤى التي تتبناه وتحاول بلورته أو تبيئته مجتمعات دون مجتمعات أخرى. نحن أمام عمل تأويلي للمفهوم ومحاولة إعادة إنتاج داخلي لمنتج فكري سابق، وهنا تَتَعَدّد الصيغ لتعدد المجتمعات، وتعدد المفاهيم.
هذا الوضع لا ينطبق فقط على صياغة مفهوم فكري معين، وإنما يشمل كافة المفاهيم الفكرية الكبرى، فمفهوم مثل مفهوم الحداثة يضطرنا إلى البحث عن أي حداثة نتحدث؟، كما أن مفهوم ما بعد الحداثة يضطرنا إلى البحث في ما بعد حداثات الفلاسفة المعاصرين، وليست ما بعد حداثة واحدة، كما أن مفهوم التنوير أيضا يطرح مثل تلك الإشكالية في بلورة المفهوم من مكان إلى مكان، فالفلسفة التنويرية في فرنسا ليست هي بالتحديد فلسفة التنوير في بريطانيا مثلاً، فإذا كانت الأولى قادت إلى ثورة عامة معروفة ومشهورة فإنها في بريطانيا كانت أقرب إلى التصالح مع النظام القائم آنذاك، ولم تخلق توتراً عارماً كما حصل في فرنسا، وذلك بسبب أن الواقع البريطاني يختلف عنه في الواقع الفرنسي رغم المشتركات الكبرى في فهم التنوير لدى هؤلاء وهؤلاء.
لا يقف الوضع عند هذا المستوى، بل يمكن القول إن المفاهيم الكبرى يمكن لها أن تؤسس لخطابها المضاد من داخلها كما فعلت فلسفة الحداثة إذ أنتجت بفعل رؤيتها النقدية الخطاب المقوض لها وهو خطاب ما بعد الحداثة أو ما بعد التنوير، كما يمكن القول بنقض ما بعد الحداثة من داخل ما بعد الحداثة نفسها. وفكر النهضة العربية أنتج المتناقضات الفكرية فتولد الخطاب السلفي من داخل رحم خطاب النهضة، كما تخلقت الرؤى التقدمية العربية من رحم الرؤى النهضوية قبل قرن تقريباً. الاشتراكية مثلاً كانت أكثر من اشتراكية بحسب الفهم لها، وحسب الصيغ المختلفة التي يمكن أن تُؤَوّل من داخلها، ومما ينقل عن ماركس أنه كان يقول: "أنا لست ماركسيا"، حينما رأى أن فلسفته المادية أنتجت صيغا تختلف عن الصيغة التي كان يريد نشرها لكن هذه هي طبيعة الأفكار والمفاهيم، إذ هي دائماً في حالة تدوير وإنتاج وتفاعل اجتماعي، ربما يبعد بها عن مفهومها الأول. تماماً كما هي الأديان بعامتها إذ أنتجت المجتمعات مذاهب دينية حاولت جميعها الاتصال بنفس الدين الأساس تقترب أحياناً، وتبتعد أحياناً أخرى حسب نوعية التأويل أو التفسير لكنها لا يمكن أن تتطابق مع الدين الأول. وإذا أردنا أن نضرب مثالا في الدين الإسلامي فقد أنتج المجتمع الإسلامي اللاحق لمجتمع الرسالة "إسلامات" متعددة إذا صح التعبير، كما أن المجتمعات الإسلامية الحالية تكاد تختلف في بنيتها الفكرية، ولها صيغها الإسلامية التي تتناسب مع بنيتها الاجتماعية وواقعها المعاش، وحينما نريد أن نتحدث عن الإسلام حالياً فإن سؤال: (عن أي إسلام نتحدث؟) سوف يفرض علينا تقديم قراءات مختلفة لدين واحد بعضها يحاول أن يكون إسلاماً تقدمياً إلى الدرجة التي تتصالح مع العلمانية ذاتها كالإسلام التركي مثلا، وفي المقابل فقد فُرض إسلام آخر أرهب فيه أصحابه الآخرين كما هو إسلام الحركات الإسلامية المتطرفة.
ويأتي مفهوم الليبرالية بحكم أنه مثالنا المفاهيمي هنا ضمن هذه الرؤية أي أنه ينطبق عليه ما ينطبق على كافة المفاهيم التي سبقته، فمفهوم الليبرالية عام، وربما تحول إلى مفهوم شمولي، ما يعني قابليته للتشكل وفق تشكل المجتمعات وتكوينها، وهو ما يمكن له أن يكون اتجاها يطمح إلى تعدد الرؤى الفكري في المجتمعات وحرية الأفراد وفردانيتهم، ولذلك فليس من الغريب أن تكون هناك ليبرالية فرنسية أو أميركية أو بريطانية أو عربية أو ربما تحديداً سعودية، وربما يتشكل في داخلها أكثر من تيار كمن يحاول الجمع ما بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه الليبرالي في صيغة تريد التقريب بين الأقطاب المتنافرة كالاتجاه الليبروإسلامي مثلاً وهو اتجاه له رموزه الذين صاغوا ليبرالية إسلامية خاصة.
على هذا الأساس فمن ينتقد الليبرالية على اعتبار أنها لا وضوح في مفهومها حتى لدى مدعيها فإنه ينسى طبيعة المفاهيم الكبرى ومدى اتساقها مع المجتمعات بمدى تحولها في داخل كل مجتمع حسب التحولات التي تأتي على المجتمعات. إذن هي مفهوم مرن أكثر من أنها مغلقة على ذاتها، وهذا أحد أهم التكوينات الفكرية في داخل مفهوم الليبرالية كونه يؤسس إلى خطاب التعدد، وليس خطاب الواحدية المفروضة من قِبَل خطابات أخرى.
نقلا عن الوطن السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.