طالبان تؤكد أن أفغانستان لا صلة لها بمهاجمة الحرس الوطني بواشنطن    ولي العهد يبعث برقيتي شكر إلى ملك البحرين وولي عهده    التعادل يحسم لقاء السودان والجزائر في كأس العرب    تعليم الطائف يبرز ريادته في تمكين ذوي الإعاقة بفعاليات نوعية في يومهم العالمي    إثراء" يستعد لإطلاق حفل "أقرأ" الختامي في نسخته العاشرة.. الجمعة    منال .. عطاءٌ يولد من الفقد وينقذ طفلة من الموت    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمحافظة    قمة البحرين: المساس بسيادة أي دولة خليجية يهدد أمننا الجماعي    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يناقشان المستجدات الإقليمية والدولية    تقنيات سعودية تسهل إدارة عمل المصانع    أجندة أمن ونمو.. ولي العهد يقود مشاركة المملكة في قمة الخليج    أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة ورئيس وأعضاء جمعية الرحمة الطبية    بدء جلسات ملتقى الميزانية 2026 بمشاركة 13 مسؤولا    زراعة عسير: ضبط 760 كجم من الأسماك والدواجن غير الصالحة للاستهلاك الآدمي    أمانة جازان تواصل حملات تحسين المشهد الحضري في وسط البلد والشامية    الذهب يتراجع مع صعود عوائد السندات الأميركية    خلال معرض الطيران العام 2025 الوعلان القابضة تستعرض خدماتها المتنوعة في قطاعي الطيران والسيارات    القضاء على سبعة مسلحين شمال غرب باكستان    ضميرية عسيرية حول المملكة وباكستان    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    لو لا تنتهي القصائد .. هكذا تُطوى آخر ليالي نوفمبر مع نجم شاعر المليون عبدالرحمن المالكي    أمير منطقة تبوك يطلع على تقرير عن منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    إطلاق مشروع «نتطوع معًا» لتعزيز ثقافة التطوع والابتكار بجازان    أمير الرياض يشهد توقيع اتفاقيات بين "الموارد البشرية" وعدد من الجهات    المملكة تقفز بنسبة المناطق البحرية المحمية إلى 61.1 %    أكد أن مزاعم «الدعم السريع» وهدنته مناورة سياسة.. الجيش السوداني يصد هجوماً على «بابنوسة»    الحوثي يعدم المدنيين بتهم «مزيفة»    المملكة الثالث عالمياً في نماذج الذكاء الاصطناعي    5.4 مليار ريال يديرها المستشار الآلي    ألقى بابنته من الشرفة لرفضها فسخ خطبتها    «الجوازات»: الهوية الرقمية لا تستخدم في عبور منفذ سلوى    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    الهلال يطلب إعفاء بونو من كأس أفريقيا.. ونونيز يريد الرحيل    مجرد (شو) !!    قبل عرضها على سبيستون    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    اندثار المواهب والحلول لإعادة اكتشافها وصقلها    القيادة تهنئ رئيس الإمارات بذكرى اليوم الوطني لبلاده    خطوة روسية – أمريكية نحو حل سلمي للأزمة الأوكرانية    جودة النظام الصحي تسبق مهارة الطبيب    شبه القراءة بالأكل    نور الرياض    منازل نجران.. تراث أصيل    ألونسو: أهمية مبابي أكبر من أهدافه    العُلا.. وجهة الهايكنغ    الجيش الألماني يعلن تعرّض شحنة ذخيرة للسرقة    في جزيرة شورى وزيرا الرياضة والإعلام والإعلاميون.. أمرهم شورى!    ضبط 21134 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    3 ملايين مخطوطة تتصدر حديث ثلوثية الحميد    انطلاق فعاليات القمة الخامسة لرعاية العيون بمشاركة نخبة من الكادر الطبي    السفراء الجدد يؤدون القسم أمام ولي العهد    حين أوقدت منارتي نهض الصمت فنهضت به    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي القوة البحرية بجازان    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقديّة في بعض مقولات خطاب الديموقراطيّة
نشر في الحياة يوم 11 - 06 - 2010

على رغم اكتساح خطاب الديموقراطيّة ساحة الفكر السياسي العربي منذ ثمانينات القرن الماضي إلى الآن، فإنّ بعض مقولات هذا الخطاب، بل أكثرها، لا يزال مثيراً للجدل وللالتباس المفهومي مفتقراً إلى قراءة متأنّية ومعمَّقة تأخذ في الاعتبار البُعد الفلسفي والتاريخي الذي شكّلته الديموقراطيّة في التاريخ الحديث والمعاصر، وتنأى في الوقت نفسه عن التأويلات والتفسيرات ذات الخلفيّة الإيديولوجيّة والتوفيقيّة.
من هذه المقولات مقولة الفصل بين الديموقراطيّة والليبراليّة، انطلاقاً من أن مفهوم الديموقراطيّة ليس مجرّد منتج ليبرالي وإنّما هو منتج إنسانيّ ومنهج لتحديد الخيارات واتّخاذ القرارات يقبل الأخذ بقيم ومرجعيّات كلّ الحضارات على حدّ تعبير علي خليفة الكواري في «المستقبل العربي» 4/2010. وهكذا على الداعين إلى الديموقراطيّة في إطار الحضارة العربيّة الإسلاميّة ألاّ يربطوا عضويّاً بينها وبين الليبراليّة، والتعامل معها تالياً كآليّة لتحقيق الليبراليّة، فالديموقراطيّة ليست آليّة لأية عقيدة، والفكر الليبرالي ليس عقيدة تلزم دوائر الحضارة غير الغربية بالتقيّد بكل قيمه ومنظومته العقائديّة إذا هي اختارت أن تمارس الديموقراطيّة. وعليه، لا تناقض بين الديموقراطيّة والإسلام أو بينها وبين أية عقيدة أخرى، فالمهمّ الأخذ بمبدأي «الشعب مصدر السلطة» و «المواطنة الكاملة المتساوية دون تمييز».
لكن فات دعاة الأخذ بهذه المقولة أولاً أن «الشعب مصدر السلطة» يتطلّب أن يكون هو مصدر القوانين والتشريعات وليس مجرد منفّذ لقوانين مُلزمة خارجة عن إرادته واختياره. وثانياً أن مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية دون تمييز يتناقض مع عقيدة لا تعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة وبين المؤمن والذمّي وغير المؤمن، أو بين الراشد والقاصر، وبين العالم وغير العالم.
وجه الخلل الأساسي في مقولة الفصل بين الديموقراطية والليبراليّة أنّ الليبراليّة سابقة تاريخياً وفلسفياً على الديموقراطيّة، وأن الديموقراطيّة إنما جاءت متلازمة مع المبادئ والقيم التي حملتها الليبراليّة وأولها مركزيّة الإنسان وحريّته واستقلاله مرجعياً. إنّ إسقاط هذه القيم يحوّل الديموقراطيّة آليّة لإنتاج الاستبداد والتسلّط، وقد أنتجت الديموقراطيّات المنزوعة من محتواها الليبرالي أكثر الأنظمة تسلّطاً واستبداداً.
ومن المقولات المتداولة في الخطاب الديموقراطي أن المجتمعات العربيّة عرفت المجتمع المدني وحقوق الإنسان منذ أمد بعيد، وإن بمسمّيات مختلفة. لكن المفهوم أصلاً مرتبط بنشوء الدولة الحديثة والعقل السياسي الحداثي القائم على مبادئ العقد الاجتماعي والعلاقات المدنيّة الطوعيّة، عوض العلاقات التقليديّة، الأسريّة والعشائريّة والقبليّة، التي هي في الأصل علاقات موروثة وغير مكتسبة.
إنّ الأمر الجوهري الذي تقفز فوقه مقولة التأصيل هذه، هو أنّ ثمّة اختلافاً إبستمولوجيًّا بين فضائَي التراث والحداثة لا يمكن شطبه ونسيانه. فالمفاهيم، ومنها مفهوم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، هي رؤى إلى الكون والمجتمع والإنسان في ظروف تاريخيّة محدّدة، محكومة بالتطوّر التاريخي في كل حقبة من حقبات التاريخ الإنساني، ولا يمكن إيجاد موازٍ لها في حقبة سابقة.
وثمّة مقولة أخرى تتردّد في الخطاب الديموقراطي العربي هي مقولة خصوصيّة الديموقراطيّة بحكم منشئها الغربي وتناقضها بالتالي مع قيمنا الثقافيّة والحضاريّة، فمبادئ التنوير الغربيّة – الحريّة، التسامح، العقلانيّة، الموضوعيّة – ليست في رأي البعض «جزءاً من أي تنوير حقيقيّ بالنسبة لنا»، وهي في رأي غيرهم «ضرب من ضروب الغزو الفكريّ والمسخ الجماعي».
ولكن ما لم يدركه هؤلاء جميعاً أن الديموقراطيّة، متمثّلةً في العدل السياسي والاجتماعي والمساواة الإنسانيّة وحقوق الفرد والمواطن، هي إرث إنسانيّ عالميّ ناضلت الإنسانيّة كلُّها من أجله طويلاً، وإن كان الغرب هو الأسبق إلى اكتشافه وصياغته صياغة منظوميّة، فهل يجوز اعتبار هذا الإرث العظيم «هيمنة أجنبيّة وغزواً ثقافيّاً» بحكم مناشئه الغربيّة؟ ولماذا لا نتعامل، انطلاقاً من هذا المنظور، مع كلّ إنجازات حضارة الغرب الماديّة، باعتبارها غزواً وهيمنة؟ ولماذا محاولة نزع الديموقراطيّة من جذورها الليبراليّة الغربيّة باعتبارها منتجاً إنسانيّاً لا ليبراليّاً، أليست الليبراليّة التي جاءت بالديموقراطيّة، منتجاً للفكر الإنساني في أرقى صوره ودرجاته؟
أمّا المقولة الأكثر إثارةً للجدل في الخطاب الديموقراطي فهي مقولة التماهي بين الشورى والديموقراطيّة باعتبار التماثل بين الصيغة البرلمانيّة وصيغة أهل الحل والعقد. هذه المقولة التي طرحها توفيقيّو القرن التاسع عشر لا تزال في مقدّمة الفكر التوفيقي الراهن، ف «المشروع النهضوي العربي» 2010 انتهى إلى أنّ «حضارتنا العربيّة – الإسلاميّة زوّدتنا بمبادئ ترتبط في محتواها بالمبادئ عينها التي قام عليها النظام الديموقراطي، وهي التي عبّر عنها مفهوم الشورى الإسلامي».
إلاّ أن التوفيقيّة المعاصرة تصطدم كسابقتها النهضويّة بتناقض الجذور والمرامي الفلسفيّة بين الشورى والديموقراطيّة فيما يخصّ موقع الإنسان في الكون وفي النظام السياسي والإجتماعي. وقد أثبت تاريخ الفكر العربي الحديث والمعاصر عقم وإخفاق الجمع بين الفضاءَين التراثي والحداثي، إذ لكلّ منهما رؤية فلسفيّة وأهداف يستحيل جمعها في صيغة واحدة، فليس من الممكن الإمساك بالعصا من الوسط في الاختيار بين الحداثة والتقليد.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.