في مسيرة بناء الأمم يكون للأمة الأرفع تقدما نظام قادر على توظيف أعلى قدر من الموارد والتكامل مع جميع الأقليات.. وخلال الأسبوع الماضي حدث من الأحداث ما يؤشر على الانحطاط، وقد بدأ زمن ظلم الأقليات الطائفية والعرقية مثل النصارى العرب منذ عهد المماليك، لذلك يرى بعض علماء الاجتماع أن هذا من سلوك وعلامات الانحطاط. كان عمرو بن العاص حكيما وعظيما لما رأى من العدالة في الإسلام إنصافا لأقباط مصر (الأرثيدوكس) من ظلم (الكاثوليك) الرومان لدرجة أن آخر عشر سنوات قبل دخول العرب إلى مصر سميت بالبلاء الأعظم لما لقوه من ظلم روماني، ولا تزال هذه العبارة معلقة على باب كنيسة (أبو سرجة) أحد أقدم كنائس الشرق، كان عمرو بن العاص وقبله عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حريصين على تطبيق عدالة الشريعة ورفع مستوى الصناعات والمهارات والعلوم لدى المجتمع العربي المسلم عبر ما لدى المجتمعات الحديثة الانضمام من معطيات في أقباط مصر وغير أقباط مصر أيضا (الكلدانيون، الموارنة). تقدمت كثيرا الأمة العربية المسلمة ونهلت من قوانين وعلوم آسيا الكثير مثل الفرس والهنود، ومرجعي في ذلك كتاب ابن رشد (الضروري في السياسة)، ولكن النصارى العرب أضافوا للعرب تعليم فنون الزراعة والمهارات الحرفية الأخرى.. لم يكن المجتمع الرعوي العربي يجيد الزراعة والصناعة، ومع إعادة هيكلة الدواوين في الزمن الأموي كان أغلب الموظفين والقائمين من النصارى العرب لسببين: أولا: بسبب إجادتهم للغات الأخرى.. ثانيا: كونهم أقلية لذلك كانوا يرغبون الابتعاد عن الجيش والدولة وعن الصراعات في ذلك الزمان، لذلك كانت الدواوين وبيت المال خير مضاف لهم.. فأرشدوا عبدالملك بن مروان الى سك الدينار العربي ليتحرر العرب من عملة البيزنطيين والتي كانوا يضغطون على العرب عبرها بالتلاعب وتغيير الكميات.. التاريخ الاقتصادي العربي للأسف لم يوضح جيدا، ودور النصارى العرب لم يكن محصورا فقط في العمل النضالي مثل (فارس خوري ومكرم عبيد) أو الأدبي (من الأخطل الصغير إلى جبران)، وأنه كما ذكرت مع بدء اضطهاد النصارى منذ العهد المملوكي إلى أن استشرى في الزمن العثماني ومن تصدى لذلك كان مفتي الدولة وكأن الاضطهاد مؤشر على الانحطاط وعدم قدرة الأمة على استغلال قدراتها واكتشاف طاقاتها.. لم يكن تعريب النصارى بالقوة بل كان بسبب الثقافة الإسلامية الرقيقة والمجتمع العربي الحاوي وليس الطارد، كما يحدث اليوم للأسف الشديد. نقلا عن الرياض