كتبت عدداً من المقالات عن جامعاتنا وأهمية الدور الذي يجب أن تقوم به وضربت أمثلة لبعض جامعات العالم وقلت إن الجامعات هي التي تقود ركب التقدم في البلدان، ليس فقط في بلدان العالم المتقدم ولكن بعض البلدان التي كانت إلى عهد قريب في مؤخرة الدول. يقول أحد رواد اقتصاد المعرفة "إنه من السخف ألا نعيش عصر المعرفة في عصر المعرفة..". ولكن لماذا يجب أن نعيش عصر المعرفة؟ ولماذا يجب أن تقود الجامعات ركب التقدم والنمو الاقتصادي؟ سؤالان كبيران ومهمان. أولاً: اقتصادنا يعتمد اعتماداً كبيراً على مصدر قابل للنضوب يشكل 90% من مواردنا.. ولأهمية التفكير في مصدر آخر بديل ودائم.. ولأهمية استثمار هذا المصدر لتحقيق استمرار النمو والازدهار ولأن اقتصاد المعرفة يقوم على استثمار العقول ممثلة في الإنسان، ولأن هذا المصدر غير قابل للنضوب فلا بد من اقتحامه وهو طريق واحد وفريد ولا بديل عنه.. ثانياً: فإن الجهات المعنية الوحيدة لتحقيق هذا الهدف هي الجامعات.. ولا مناص أن يكون من أولوياتها وإلا ستعاني البلاد بعد نضوب مصادرها الطبيعية. والموضوعية أولاً تقتضي أن نتحدث بالمقابل عما عرفناه عن واقع وحقيقة ما يجري في إحدى مؤسساتنا وثانياً أنني كمواطن يحق لي أن أعتز بما عرفته عن هذه المؤسسة وأن الوطن يحتضن مثلها.. وحديثي لن يكون قصة جميلة تكتب بلغة بليغة فهذا حديث ممل بل سأطرح شواهد وأمثلة من الواقع. وحديثا مدعَّما بالأدلة والشواهد والأمثلة، حديث صادق.. جامعة الملك سعود انطلقت من رؤية تحقيق الريادة العالمية من خلال منظومة من الإنجازات منها الشراكة المجتمعية لتبني مجتمع المعرفة الذي يحقق اقتصاد المعرفة عن طريق توأمة عالمية وأسماء لأساتذة وباحثين متميزين وأسماء لحاملي جائزة نوبل وزمالة لعلماء. والجامعة تمتلك منجزات لهذه البرامج.. من مبدأ إذا أردت التميز فكن مع المتميزين. حيث بدأت الجامعة استقطاب مئة عالم وهو شبيه ببرنامج جامعة MIT الأميركية الذي حققت بموجبه الريادة، فرئيسة الجامعة سوزان هكفيلد تقدمت للحكومة الأميركية بطلب تغيير نظام الهجرة في الولاياتالمتحدة الأميركية ليمكن المتميزين من إقامة دائمة أو منحهم الجنسية بالرغم من الحساسية التي نعرفها بسبب علاقة هذا النظام بأمنها وذلك بهدف خدمة الريادة والتميز بعد أن عرضت مؤشرات اقتراب بلدان أخرى للتفوق على أميركا مثل الصين.. والمئة عالم التي تسعى جامعة الملك سعود لاستقطابهم جيد لكنه لا يكفي وقد تحتاج الجامعة لألف عالم متميز لتحقيق رؤيتها والوصول لأهدافها. أما برنامج الشراكة المجتمعية ففيه برامج ماثلة للعيان منها وادي الرياض للتقنية الذي أصبح شركة تمتلكها الجامعة.. ونشر في صحفنا المحلية نبأ دخول الممكلة تاريخ صناعة السيارات في دليل على إنجازات الجامعة المتميزة وذلك بتوقيع عقد صناعة نوعين من سيارات غزال 1 وصناعة قطع الغيار مع إحدى الشركات العالمية المتخصصة. إذا عرفنا حقيقتين ماثلتين للعيان ندرك أهمية ومستوى هذا الإنجاز العظيم لهذه الجامعة. الحقيقة الأولى أن 68 قطعة من قطع سيارات غزال البالغة 118 قطعة بما فيها المكينة ومحرك السرعة وبعض الأجزاء الهامة تصنع محلياً بمواد خام محلية، ولا ضير في ذلك فشركة فورد للسيارات تستورد 70% من مكونات سياراتها. ثاني الحقائق أن إحدى الجهات في المملكة تستورد قطع غيار بمبلغ 18 مليار ريال.. هذا الإنجاز لا يدخلنا إلى عالم صناعة السيارات وحسب بل سيعمل على توفير آلاف الوظائف للمواطنين كهدف استراتيجي آخر للمشروع يساعد على القضاء على إحدى المشكلات المستعصية في بلادنا وهي مشكلة البطالة. وكنت ناديت سابقاً في مقالاتي النقدية للجامعات بأن جامعات العالم المتقدم تهتم بمنتجها المتمثل بالطالب وتجعله يعمل على شيء يحبه ويبدع فيه ثم تحول أبحاثه وأعماله إلى منتجات. وهذه الخطوة نتيجة بحوث منسوبي الجامعة التي حاكت فيها تلك الجامعات وحولتها إلى منتج ماثل للعيان.. كما رأينا مثالاً آخر تمثل في بحث أحد الطلاب المتمثل في جهاز نداء تحول إلى شركة تصنع هذا المنتج ووظفت هذه الشركة بعض الأفراد من الوطن.. وهذا أيضاً هدف مهم للجامعات المتقدمة التي نقرأ في أدبياتها الاعتزاز بشركات خريجيها وعدد من توظفهم. جامعة الملك سعود ماضية الآن في تحويل 10% من براءات الاختراع التي يملكها منسوبوها إلى استثمارات؛ متوجهة بذلك نحو تحقيق اقتصاد المعرفة الذي قلنا إنه لا ينضب وإنه هدف استراتيجي لدول العالم الأول.. وفي سياق الشراكة المجتمعية رأينا برنامجاً متميزاً وهو الأوقاف المتمثلة في تسعة مشروعات عملاقة ماثلة للعيان ستدر على الجامعة 375 مليون ريال سنوياً.. الأمر الذي يصعب أن ترى شركة واحدة في الممكلة تحققه.. وضمن الشراكة المجتمعية رأينا حاضنته الرياض التي يبدأ منها تقويم البحوث وبرامج كراسي البحث وغيرها من البرامج النوعية التي لا يسع المجال الحديث عنها. أما البرنامج التطويري الثالث وهو مجتمع المعرفة ففيه برامج نوعية متقدمة أهمها معهد الملك عبدالله لتقنية النانو ويضم مجلسه عشرة علماء من جامعات عالمية مثل هارفرد وستانفورد وفيه أبحاث تطبيقية ذات قيمة اقتصادية فاعلة ويتميز بالجدية ويساهم في نقل هذه التقنية واستخدامها في أعمال ومجالات عدة تحقق عائدات اقتصادية مجزية. كما يضم هذا البرنامج بعض المراكز والمختبرات النوعية وعددها تسعة تعمل معاً كقنوات تركز على مخرج الجامعة. أرجو أن يعي القارئ أننا نتحدث عن مستقبل وطن ومستقبل أمة ومستقبل أجيال.. ومثلما أننا نبرز ما نراه من سلبيات يجب أن نبرز الجانب الآخر المضيء.. إنني هنا كمواطن لهذا البلد الكريم أفتخر بالحديث عن هذه المؤسسة العملاقة جامعة الملك سعود وأفتخر بالحديث عن هذه المنجزات.. كمنجزات وطن ومنجزات قيادة ومنجزات مواطنين. إن نجاحنا في الوصول إلى تحقيق هدف اقتصاد المعرفة حلم.. وقد رأيت شعاراً مرفوعاً على مقر إحدى الشركات العالمية يقول "إذا استطعنا أن نحلم به فإننا سنحققه"، دعونا نحلم ومع الحلم العمل الجاد وسنصل بإذن الله. علي الخبتي نقلا عن الوطن السعودية