قرر مجلس الوزراء في جلسته الأسبوع الماضي تحويل اللجنة المؤقتة التي سبق تشكيلها بهدف توحيد المواصفات والأسس العامة لمتطلبات إنشاء القاعدة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية إلى لجنة دائمة باسم ''اللجنة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية'' يكون مقرها الهيئة العامة للمساحة، وهو بالتأكيد قرار مهم ومؤثر في مسيرة التنمية الوطنية. تكمن أهمية قرار مجلس الوزراء في المهام الجديدة التي أوكلها إلى اللجنة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية والتي تضمنت وضع السياسات الوطنية في مجال نظم المعلومات الجغرافية، وإنشاء البنية التحتية لنظم المعلومات الجغرافية الوطنية التي تعد من المكونات الرئيسة لما يمكن تسميته ''البنية التحتية التقنية الوطنية'' التي تحرص الدولة على استكمالها لدفع مسيرة خطط وبرامج ومشاريع التنمية الوطنية. وتشتمل البنية التحتية لنظم المعلومات الجغرافية الوطنية على التقنيات، والسياسات، والموارد، والممارسات، والتنظيمات المؤسساتية التي تعمل على توفير، والوصول إلى، واستخدام البيانات المكانية ونظم المعلومات الجغرافية بسهولة وكفاءة من قبل المؤسسات الحكومية والخاصة وحتى الأفراد. إن الاستثمار في نظم المعلومات الجغرافية هو من الاستثمارات المكلفة وطويلة المدى، ودون إنشاء بنية تحتية مكتملة وقوية فإن فرص الاستفادة الحقيقية من الإمكانات الكبيرة لهذه التقنيات تبقى محدودة، كما أن إنشاء بنية تحتية لهذه التقنيات سريعة التطور هو بلا شك تحد كبير ومستمر ويتطلب كثيرا من الموارد والمعرفة والمثابرة. فقد بدأت اللجنة المؤقتة التي سبق تكليفها بتوحيد المواصفات والأسس العامة لمتطلبات إنشاء القاعدة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية عملها عام 1422ه تحت مظلة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وكان من ضمن مهامها الرئيسة وضع وتوحيد المواصفات الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية، وتوفير الدعم الفني والاستشاري للجهات المستفيدة، وبعد عشر سنوات من العمل، ينظر المرء الآن في مبادرات ومشاريع نظم المعلومات الجغرافية المتفرقة في عديد من المؤسسات الحكومية فيرى عجباً. من المتوقع إذاً أن تواجه اللجنة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية كثيرا من التحديات في إعداد وتنفيذ استراتيجية نظم المعلومات الجغرافية الوطنية، وفي إنشاء البنية التحتية لنظم المعلومات الجغرافية الوطنية، ولعل من أكثر هذه التحديات إثارة التناقض بين الفلسفة المبنية عليها نظم المعلومات الجغرافية وبين الثقافة السائدة في مؤسساتنا الحكومية، حيث تتبنى نظم المعلومات الجغرافية فكر التعاون الوثيق والتكامل في تنفيذ المهام وإجراءات العمل، والوضوح والشفافية في توفير وتبادل البيانات بين جميع القطاعات المعنية، وهو ما لا يتفق كثيراً مع الثقافة السائدة في مؤسساتنا الحكومية. التقنيات والموارد قد لا تكون مصدر التحديات في إنشاء البنية التحتية لنظم المعلومات الجغرافية الوطنية بقدر ما هي السياسات والتنظيمات المؤسساتية والممارسات، وعلى أي حال، من المفترض أن لدينا الآن من الخبرات المتراكمة من التجارب السابقة ما يؤهلنا لمواجهة هذه التحديات بدراية وكفاءة عالية. نتمنى أن نرى قريباً قاعدة وطنية للمعلومات المكانية ونظم المعلومات الجغرافية تكون متاحة على نطاق واسع، يشمل المؤسسات الحكومية والخاصة وأفراد المجتمع كلاً فيما يخصه، وأن يكون الوصول إليها سهلاً من قبل الجميع، وأن تكون ذات بنية مرنة قابلة للتعديل والتطوير وفق تغير المعطيات والمتطلبات، وأن تكون مفتوحة ومستقلة عن أي تقنيات محددة حيث يمكن التعامل معها من منصات تقنية مختلفة، وأن تكون قاعدة وطنية محفزة لتطوير حلول وخدمات وصناعات جديدة، وأن تكون مصدراً ملهماً لشبابنا للابتكار والإبداع لبناء غد أفضل. نقلا عن الاقتصادية