شخصية النبي إبراهيم عليه السلام مثيرة، فهو يكسر الأصنام ثم يعلق الفأس برقبة كبيرهم فيوقع قومه في حيرة وتردد: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون! لقد كان يومها صغير السن فيُلقى في النار فتتحول إلى رحلة برد وسلام بقلب النيران إلى نسمات جميلات! ثم نراه مهاجرا يقابل جبابرة الأرض بضبط نفس هائل بدون خوف وبنقاش هادئ؛ فهو أمام من أوتي الملك الذي يدعي أنه يملك أسرار الموت والحياة. بعد أن قال له إبراهيم إن ربه الذي يحيي ويميت. قال أنا أحيي وأميت. كيف؟ تقول بعض الروايات أنه أتى برجلين محكومين بالموت فأطلق الأول وقال قد أحييته! ثم أمر بقتل الثاني وقال قد أمته! وبالنسبة لأحدنا قد يدخل في مماحكة مع هذا الدعي بأن يقول له هذا الذي أرسلته لشاطئ الموت أعده من جديد للحياة طالما كانت أسرار الموت والحياة بيدك. لا .. لا .. إبراهيم لا يجادل بطريقتنا سواء في خطاب البشر أو استنطاق ملكوت السماوات. إنه يريد أن يقدم حجة لا يستطيع الجبار أن ينطق أمامها بكلمة. لنتأمل السؤال الجديد في قدرة المولى جل جلاله. إن ربي يحرك الشمس من المشرق إلى المغرب فحاول أن تقلب حركة الأفلاك كما تدعي أنك مالك المصائر من بشر ومدر وحجر. لا جواب! ولا جواب على الإطلاق! وهذا الذي يسميه القرآن "فبُهت الذي كفر" فلم يحر جوابا، وهو ما وصفه الرب أن إبراهيم آتاه الحجة على قومه.. إنه شخصية ساحرة، أليس كذلك؟ لم يبق عند النمرود بل تابع رحلته مهاجرا إلى ربه، وهناك في فلسطين تحصل معه مفاجأة جديدة، هذه المرة في قضيته العائلية.. يدخل عليه ضيف.. أكثر من شخص.. يرد السلام بأفضل زيادة في الكرم، هم يقولون سلاما، هو يقول سلام قوم منكرون، والرفع أقوى من النصب في النحو، ثم يهرع ويسرع فيقدم لهم عجلا سمينا ولا يسألهم إن كانوا جياعا أم لا! إنها وجبة شهية، أليس كذلك، لقوم ضيوف قادمين من المجهول من بعيد؟ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه أنكرهم وأوجس منهم خيفة. تصوروا، ضيوف مجهولون مع طعام فاخر ينظر بعضهم إلى بعض بهدوء وابتسامة خفيفة ثم لا يأكلون فهم في مهمة خطيرة مستعجلة! هنا يسألهم ويجيبونه بأمرين، بشرى وخبر سيئ؛ فأما الأولى فهي حمل سارة وهي العجوز العقيم وهو الكبير الطاعن في السن، فتخبط سارة وجهها بعجب: أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لأمر عجيب! والثاني أنهم قادمون بمهمة إزالة واستئصال مجتمع بالكامل حرقا بالنار في بركان مزلزل لا يترك عوجا ولا إمتى بل يجعل المدينة عاليها سافلها بمطر من حجارة من سجيل منضود.. وأنا شخصيا كتبت أكثر من 400 صفحة في مرض الإيدز المترافق مع فاحشة المثليين.. مرض مجتمع لوط، ووصلت إلى النتيجة التي تقول إن انتشار مرض الإيدز في ذلك الزمان الغابر، قبل أربعة آلاف سنة، مع بدايات الحضارة والكتابة، كان في مقدوره أن يهلك الجنس البشري، ويعيق ولادته في ظروف غياب الوعي الصحي والعزل لمظاهر انتشار المرض. إن الطاعون كان يأتي في العصور القديمة فيمحو محاسن المدن ويطوي الحضارات ويفرغ الحواضر من ساكنيها، فما بالك بمرض وبيل من نوع الإيدز الذي لاعلاج له ولا لقاح حتى اليوم مع كل إمكانات الطب المذهلة حاليا.. إن شخصية إبراهيم أبو الأنبياء ساحرة مثيرة، ونحن نتأمل حواره الحنون مع أبيه، أو هو يناجي القمر والشمس والنجم سعيا للوصول إلى الحقيقة؛ "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي"، في صفحتين من سورة الأنعام تأخذان بالألباب أو حتى مخاطبة الرب في طلب رؤية إحياء الموتى! إنه مدهش، أليس كذلك؟ عقل يقظ متفتح في كل وقت. ويبقى السؤال: ما الذي أتى بإبراهيم تحديدا ليبني أول بيت ببكة مباركا وهدى للعالمين وليصبح حجا إلى يوم الدين؟ سؤال يحتاج إلى ضفيرة من علوم الأجناس والتاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا والأديان معا.. أليس كذلك؟ نقلا عن الوطن السعودية