(( كنت مشغول الذهن والوجدان بقضية فلسطين سنوات طفولتي وشبابي , فقد ولدت في عام النكبة " 1947م" وتنامت مشاعري شتى خلال مراحل العمر من ما كنت أسمعه من والدي - رحمه الله - وغيره من الضباط السعوديين الذين شاركوا في حرب فلسطين 1948م من حكايات عن مسارات الحرب )) ... هكذا بدأ الكاتب السعودي " محمد بن ناصر الياسر الأسمري " في مقدمة رؤيته الموثقة بكتابه الجديد " الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948 " الذي تم مناقشته في نقابة الصحفيين المصريين بحضور سمو السفير إبراهيم السعد إبراهيم سفير المملكة العربية السعودية في القاهرة وكبار الكتاب والصحفيين في مصر . حيث قال "محمد ناصر الأسمري " مؤلف الكتاب أن حرب فلسطين عام 1948 كانت مثالاَ للتعاون العربي في الدفاع عن أرض فلسطين حيث طلبت القيادة العربية على رأسها مصر في ذلك الوقت تعاون الجيش السعودي من أجل حرب التحرير وقد رحبت القيادة السعودية بهذا التعاون رغم ضعف الإمكانيات حيث استجاب الملك عبد العزيز لهذا المطلب وأبلي الجيش السعودي في هذه الحرب بلاء حسنا واستشهد الكثير من خيرة الجنود السعوديين . واستطرد الأسمري قائلا : " السعودية ومصر قلب الأمة العربية فمصر قلب العروبة والسعودية دائما تقف بجانب مصر لأن مصر تقف بجانب المصالح العربية وقد قرأت عن حروب فلسطين قراءات كثيرة فوجدت تطابقا إلى حد ما مع أغلب ما سمعت من حكايات سواء من أبي أو الضباط السعوديين الذين شاركوا في حرب فلسطين 1948م عن مسارات الحرب و كنت أسمع التأوهات من أبي وغيره وألاحظ تعبيرات الألم الطافح على المحيا , حكايات عن المناوشات الجانبية بين بعض قادة السرايا العربية في جبهات القتال على أشياء صغيرة كرفع علم الدولة من قبل جيش مما أوجد شواغل عن الهدف الأسمى وهو إنقاذ فلسطين كما كان حال الشكوى من فساد الخطط والتخطيط للحرب على كل الجبهات " . ويؤكد الأسمري أن فلسطين كانت وما زالت هي أكبر أرض عربية توحد العرب والمسلمين على مر العصور للجهاد من أجلها ورغم تصدع أرض العرب إلى كيانات منفصلة وحدود مصطنعة فإن فلسطين هي القلب النابض وما أشبه الليلة بالبارحة فما يدور منذ بداية هذا العقد من مفاوضات وحركة تمثلت في انتفاضات من الفلسطينيين ضد إسرائيل هو شبيه بما كان يدور منذ أكثر من نصف قرن عندما بدأت الحرب النظامية بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي وكذلك ما يتم من ممارسات وضغوط من الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربا وغيرها على القيادات الفلسطينية والزعامات العربية . ويضيف الأسمري أن بعد مضي أكثر من نصف قرن على حرب فلسطين ونكبة العرب ثم نكساتهم المتتالية عسكريا وسياسيا ونفسيا فإن من حق الأجيال التي ورثت هذه الأحوال والأهوال أن تعرف شيئا من التاريخ عما فعله وصنعه الأجداد والآباء من أعمال سلبية وإيجابية فلعل في قراءة التاريخ وفقه وقائعه ما يبعث إلى إفاقة القيم والأهداف التي تحقق النصر وتزيل آثار الهزيمة . وعن كتابه يقول الأسمري :" الكتاب الذي يقع في 419 صفحة أحاول أن أقدم من خلاله كشفا جديدا لبعض من الحقائق التاريخية عن مشاركة المملكة العربية السعودية من خلال جيشها الذي شكل قرابة ربع الجيش المصري الذي حارب اليهود على الجبهة الجنوبية لفلسطين عام 1948م وذلك من خلال شهادات من القائد السعودي لجيش إنقاذ فلسطين اللواء سعيد الكردي – رحمه الله – في مذكراته التي هي أساس هذا الكتاب ونخبة من مرؤوسيه الذين قادوا وشاركوا في تلك المعارك كما يرصد الكتاب المصادر المصرية بالذات والعربية الأخرى التي كتبت عن المشاركة العسكرية السعودية بشكل يسير وغير منصف لحقيقة الواقع لحد كبير" . وعن دوافعه في كتابة هذا الكتاب يقول الأسمري :" هناك دوافع كثيرة أهمها قلة الكتابات بل ندرتها والتوثيق التاريخي لمشاركة الجيش السعودي النظامي في حرب فلسطين في العالم العربي بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص إذ لم أجد حسب علمي ومعرفتي واطلاعي أن أحدا قد قام بالتدوين والتوثيق منذ نهاية الحرب عام 1949م حتى عام 2002م سواء من العسكريين السعوديين أو من الساحة الفكرية على رغم ما قام به(( صالح جمال الحريري )) في كتاب دعائي الطابع الذي اتسم بالتوثيق العام دون الدخول في التفصيلات حيث اشتمل على كلمات قيلت في مناسبة احتفالية بعودة الجيش السعودي من فلسطين إلى جده في أواخر عام 1949م دون تاريخ لسنة الطبع وإذا كان لهذا الكتاب ميزة فهي أنه وثق أسماء بعض الضباط الذين شاركوا في الحرب من خلال شرح لصورة فوتوغرافية جماعية التقطت لهم في معسكر الشط على السويس عام 1949م بعد إعلان الهدنة والتقسيم وقيام إسرائيل وقد تابعت التقصي للأسماء من مقابلاتي للضباط الذين شاركوا في الحرب ومازالوا أحياء فتوصلت إلى 100 ضابط حيث لم يزد عدد الذين جاء ذكرهم في كتاب الحريري - رحمه الله – عن حوالي 60 ضابطاَ ". ويضيف قائلاً :" السبب الثاني الذي دفعني لكتابة هذا الكتاب هو الشعور بالتقصير والألم في عدم الوعي بأهمية هذا العمل التوثيقي البطولي المشرف للجيش والوطن السعودي من قبل الباحثين والمؤرخين سواء في الجامعات أو الساحة الفكرية في وقت مبكر أو لاحق بعد نهاية الحرب وعودة الجيش من ميادين القتال لاسيما أن جل المشاركين من الضباط وضباط الصف والجنود قد أنسا الله لهم في الأجل وبقوا على قيد الحياة من زمن نهاية الحرب إلى عام 2000م واستمروا في العسكرية السعودية وارتقى بعضهم إلى رتب وقيادات عليا بالإضافة إلى وفاة بعض العسكريين الذين شاركوا المعارك دون تسجيل شهادتهم أو إعطائهم حقهم في شرف المشاركة في الحرب مما يزيد من مرارة الألم بعدم وجود تاريخ لجهاد ومشاركة السعوديين بالدم والأرواح من أجل إنقاذ فلسطين ... ولعلي هنا أحتسب هذا الكتاب جهادا فكريا متمما لجهاد أبي – رحمه الله - ولكل الشرفاء من الضباط وجند الجيش السعودي البطل وكذا المجاهدين وكلهم عندي آباء وأبطال أثبتوا أن في السعودية أرض القبلة والاستقبال والأورمة مواطن للعز والبطولة والنخوة والشهامة وليس للنفط والريال فقط ". ويقول الأسمري في كتابه أن مشاركة المملكة العربية السعودية في حرب فلسطين لم تكن مقتصرة على الجهاد التطوعي من المواطنين الذين انضووا تحت لواء الجهاد المقدس أو اشتراك الجيش النظامي مع الجيش المصري بل لقد كان للقيادة السياسية جهود دبلوماسية مكثفة في المفاوضات بين العرب واليهود واجتماعات القيادات سواء على مستوى الملوك و الرؤساء أو رؤساء الوزارات ووزراء الخارجية أو من خلال المراسلات المتبادلة بين الملك عبد العزيز ورؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وكذا الحال في المفاوضات التي جرت بين العرب وبريطانيا في مؤتمر لندن . وقد كان الجهاد السعودي ضد التواجد الصهيوني في فلسطين بالنفس والمال على منوال متساوٍ من التسابق للبذل ... وتكونت لجان شعبية في أنحاء البلاد السعودية لجمع التبرعات لأهل فلسطين .... وهذا بطبيعة الحال خلاف ما التزمت به السعودية من أموال حسب قرارات جامعة الدول العربية رغم حداثتها فقد كان لها دور كبير في حرب 1948م خاصة في جمع العرب تحت لواء واحد لمواجهة الأزمات حيث قررت الجامعة العربية رصد مليون جنية مصري وضعتها تحت تصرف القيادة العسكرية لتكوين قيادة عربية تتولى تدريب شباب العرب على الحرب وتكوين جيش من المتطوعين داخل فلسطين يسمى جيش الجهاد المقدس وأخر شبه النظاميين يعبأ ويدرب خارج فلسطين يسمى جيش الإنقاذ علاوة على بعض الحاميات المحلية الفلسطينية وقد دفعت مصر من تكلفة هذه الجيوش 42% بينما دفعت سوريا ولبنان 22% ودفعت السعودية 20% ودفعت العراق الباقي. وقد اتجه الملك عبد العزيز إلى تمويل وتموين وتجهيز أهل فلسطين والمجاهدين بالمال والعتاد إيمانا منه أنه السبيل الأفضل لإنقاذ فلسطين بدلا من تدخل الجيوش العربية بالإضافة إلى ما بذله الملك عبد العزيز من جهود كبيرة منذ العام( 1929-1936م) من العمل السياسي لحل القضية سلميا وذلك من خلال المفاوضات والمراسلات والبعوث الدبلوماسية. وقد كانت البداية كما يقول الأسمري في كتابه باشتراك الجيش السعودي النظامي في الحرب بعد ما أستقر رأي رؤساء الحكومات العربية على ضرورة الدفاع عن فلسطين والاحتفاظ بعروبتها والحيلولة دون تقسيم فلسطين وقيام الدولة اليهودية وقد أمر الملك بالمشاركة في الحرب في ذات اليوم الذي قررت فيه مصر دخول الحرب حيث تتابع سفر سرايا الجيش السعودي إلى ميادين القتال في خلال 24 ساعة . وقد توجهت الدفعة الأولى من الطائرات المسلحة السعودية مؤلفة من جند سرايا الرشاشات والأسلحة الخفيفة والمشاة على التتابع وبقية السرايا أرسلت بالبواخر وقد عين لقيادة فرقة الجهاد السعودية الأولى العقيد سعيد بيك الكردي ووكيله وكيل القائد عبد الله بن نامي وألفت لها هيئة أركان حرب من بعض الضباط الذي تم انتقائهم من المعسكرات والحرس الملكي . ويضيف الأسمري " لقد باشرت القوات السعودية القتال جنبا إلى جنب القوات المصرية وكانت المعركة الأولى للجيش السعودي في بيت حانون على بعد 9 كيلو متر عن غزة شمالا وتواجه المعسكر السعودي مستعمرة (( بيرون إسحاق )) التي تؤمن ثلاث قرى أخرى بالماء وقد كان السجال بين القوات المصرية واليهود على هذا الموقع .... وتقرر طرد اليهود من الموقع فتقدمت القوات المصرية ومعها السعودية بقيادة القائم مقام (( سعيد الكردي )) من تقاطع طريق غزة – بئر السبع وتقدمت ثلاث فصائل من الجناح الأيمن ودخلت حتى مسافة 50 ياردة من الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستعمرة وحصونها الأمامية وعملت القوات السعودية حركة التفاف حول المستعمرة لتلتقي القوات المصرية الأمامية وجناحها الأيسر ودمرت البئر وانسحبت اليهود من مواقع أخرى لمواجهة القوات السعودية وحصل خلل في الميمنة أدى إلى تراجع وانسحاب بأمر القيادة ". وقد تعددت المواقع والمعارك التي شاركت فيها القوات السعودية على أرض فلسطين ولعل ما يثير الإعجاب بالمقدرة القتالية للجيش السعودي ليس فقط الروح القتالية والحماسية والشجاعة والبطولة والنصر الذي صاحبهم في أغلب المعارك التي خاضوها بل بالكيفية التي مارسوها أثناء المعارك رغم حداثة العمر والتجربة للضباط السعوديين وعدم المعرفة بأرض مسرح القتال واختلاف مصطلحات التدريب والإيعازات والأسلحة ومن أهم المواقع والمعارك التي شارك فيها الجيش السعودي في فلسطين معركة " دير سنيد "و " أسدود " و " نجبا " و " المجدل " و " عراق سويدان " و " الحليقات " و " بيرون إسحاق " كراتيا " و بيت طيما " و " بيت حنون " و " بيت لاهيا " و غزة " و " رفح "و " العسلوج " و " وتبة الخيش " و على المنطار " و " الشيخ نوران " . وقد انتهت الحرب في عام 1949م بعد إقرار اتفاقية ردوس وتوسعت إسرائيل بطريقة عجيبة غريبة لتضم مناطق خارج نطاق ما حصلت عليه بقرار التقسيم ورغم ذلك فقد بقيت القوات العربية متحفزة للقتال وبقيت القوات السعودية في مصر لمدة عام كامل حسب طلب الحكومة المصرية تحسبا لأي طلب وبعدها عاد الجيش السعودي إلى أرض الوطن واستقل استقبالا كبيرا من الشعب والقيادة . و استمرت جذوة النضال فكان للسعودية مواقف سياسية وعسكرية وشعبية على نفس المنهج والثبات تجاه قضية فلسطين فلم تتأخر في عام 1956م أثناء العدوان الثلاثي على مصر ولا عام 1967م ولا عام 1973م ولازالت داعمة للنضال الشرعي لأهل فلسطين ومازال بيننا هذه الساعة قادة شاركوا في معارك غور الصافي والكرامة على الجبهة الأردنية وفي القنيطرة والجولان السورية ولا حد للعون والمدد السعودي شعبيا ورسميا فهذا قدر وواجب تميله العقيدة والأخلاق . منتديات الخطوط الاقتصادية الأربعة كتاب "الجيش السعودي في حربفلسطين 1948م" لمؤلفه محمد بن ناصر الياسر الأسمري هو محاولة جادة لتقصي إسهامالقوات السعودية نظامية وغير نظامية وتسجيل مشاركتها البطولية في الدفاع عن أرضفلسطين وحماية شعبها من العدوان الصهيوني، وقدم المؤلف تلك المشاركة في مرحلتين،الأولى: قبل دخول الجيوش العربية أرض فلسطين في مايو 1948م (جمادى الآخرة 1367ه) حيث انضم المجاهدون السعوديون إلى صفوف المتطوعين الذين ناضلوا في فلسطين على جبهاتعدة تركزت في الجبهتين السورية واللبنانية والمثلث، وقدم المؤلف في هذه المرحلةصورة مغايرة لما كان معروفًا عن جيش الإنقاذ. والمرحلة الثانية: كانت بعد 15 مايو 1948م (7 رجب 1367ه) حيث شاركت القوات السعودية مع القوات المصرية على جبهة فلسطينالجنوبية، وتعقب المؤلف هذه المشاركة السعودية إلى ما بعد توقف القتال على الجبهاتالمختلفة في فلسطين إثر توقيع الهدنة. لقد قدم المؤلف معلوماته الموثقة بروحالاعتزاز والإكبار خاصة أن والده كان واحدًا من هؤلاء الذين أبلوا في حرب فلسطين،وكان دافع المؤلف للتصدي لمثل هذا الموضوع، إضافة إلى شعور الامتنان والإكبار لكلمن أسهم في تلك الحرب المقدسة، هو أهمية ما تشغله القضية الفلسطينية في نفوس العربالمسلمين ولدى المؤلف بالذات، وإحساسه بواجب الكشف عن كل الحقائق التي أحاطت بالحربحتى لو كانت شديدة المرارة. والمؤلف رغم إقراره بوجود كتابات متفرقة حول موضوع تلكالحرب، إلا أنها تفتقر إلى التوثيق، كما أن الإسهام السعودي قد غاب من تلكالكتابات. والجديد في الكتاب الذي بين أيدينا هو أن المؤلف عمد إلى تسجيل شهاداتحية مع الضباط الأبطال الذين ما زالوا على قيد الحياة، وكانت لهم مشاركة فعلية فيصفوف الجيش النظامي أو ضمن قوات المجاهدين المتطوعين، وبذل المؤلف جهدًا فائقًا فيجمع تلك الشهادات وتطبيق أساليب التاريخ الشفوي خلال إجرائه المقابلات مع "شهودعيان وأبطال ميدان" رغم مرور الزمن واختلاف الروايات في بعض التفاصيل. ومثلت مذكراتاللواء سعدي الكردي قائد القوات السعودية النظامية في حرب 1948م العمود الفقريللكتاب الذي وضعه الأستاذ الأسمري، وقام المؤلفبالاطلاع عليها ونشرها بعد أن كانت في حوزة ابن اللواء الكردي، وقد سجل اللواء فيمذكراته ما عايشه وشاهده على أرض المعركة. ويمكن عدّ تلك المذكرات دراسة عسكريةلسير المعارك على الجبهة الجنوبية، وتدل على عمق نظرته الاستراتيجية وخاصة بالنسبةلوسائل الدفاع الصهيونية، كما أنه كشف بصراحة بالغة كثيرًا من الحقائق المرةالمتعلقة بالخطط العسكرية العربية وما شاب الحرب من تآمر وعدم إخلاص (الأسلحةالفاسدة)، كما وصف الساحة الدولية السائدة في تلك المرحلة. وفي تحليله السياسي أدركالكردي الإمكانات العربية، فكان واقعيًا لا يسعى إلى المبالغة. وقد عمد مؤلف الكتابالأستاذ الأسمري في عرضه للمذكرات إلى تحقيقها ومقارنة وقائعها من شهادات ومصادرأخرى، كما أنه طرح تساؤلاته إذا بدا بعض التناقض أو الغموض في المعلومات المطروحة. لقد بذل المؤلف الأستاذ الأسمري جهدًا ملحوظًا في الاطلاع على المذكرات والكتب التيدونت ووثقت لحرب 1948م، واستشهد بها وقارن فيما بينها دعمًا وتوضيحًا لما توصل لهمن معلومات، كما شكلت الصحف المصرية والسعودية في تلك المرحلة رافدًا آخر للمؤلف. هذا إضافة إلى الوثائق المكتوبة (مصرية وسعودية) التي أشارت إلى المساهمة السعوديةفي حرب 1948م. ودعم ذلك كله بجداول وإحصاءات مدققة أورد فيها أسماء المشاركين الذينأجرى معهم المقابلات ورتبهم وترقياتهم التالية دون أن يغفل قوائم الشهداء الأبرار،وهذا أسبغ اللمسة العلمية على محتوى الكتاب. ويمكن أن نورد الملاحظات الآتية حول ما جاء في الكتاب موضوعالمراجعة، مع الأخذ بعين الاهتمام أن هذه الملاحظات لا يمكنها أن تفقد الكتاب قيمتهالعلمية وريادته في موضوع بحثه: الملحوظة الأولى: لم تكن مقدمة الكتاب وافيةبالغرض، إذ يفترض أن تحوي المقدمة عددًا من الأفكار، أهمها: دوافع وضع الكتاب،والجهد الذي بذله المؤلف وخاصة إزاء صعوبة البحث وندرة المعلومات الموثقة، وقد وردتهذه المعلومات متناثرة في ثنايا الكتاب، وكان يمكن جمعها معًا في مقدمة متناسقة تفيالمؤلف حقه تمامًا، إضافة إلى عرض أهمية الشهادات الحية التي استند عليها المؤلف،وقصة مذكرات الكردي لإثارة اهتمام القارئ. الملحوظة الثانية: أن أهمية القضيةالفلسطينية ودراسة تطوراتها وتحليل طبيعة الصراع مع الصهيونية وأبعاده وخطورته كانيفضل أن تكون مادة للفصل الأول، على أن يُراعى في هذا الفصل التسلسل التاريخي، وأنيتجنب المؤلف تناثر المعلومات الخاصة بهذا الفصل في مواضع مختلفة. الملحوظةالثالثة: أن كتابًا يتناول الإسهام السعودي في حرب فلسطين كان يتطلب التقديم لهباستعراض نشأة الجيش السعودي وتسليحه وتدريبه، مع التركيز على جهود المملكة لنصرةفلسطين قبل تلك الحروب، وهي جهود تركزت على العمل الدبلوماسي ونصرة المجاهدينالفلسطينيين. ومع أن تلك الأفكار قد أوردها المؤلف إلا أنها كانت متفرقة لا تعطيفكرة كاملة ومتسقة. الملحوظة الرابعة: وقع المؤلف أحيانًا في تكرار معلوماتهوأفكاره، وكان يجدر به أن يعود من جديد إلى مراجعة معلوماته التي يبدو أنه وضعهاعلى مراحل متفاوتة، ومثال ذلك: ص 38 عاد المؤلف مجددًا إلى جهاد المتطوعين، وفي ص 41 عودة إلى المساعي الدبلوماسية قبل عام 1948م، ص 123 عاد مجددًا إلى الإشادةبالكردي، ص 185 كرر شهادة نزار الكردي التي وردت في ص 100، والأمثلة كثيرة، وكانيحسن بالمؤلف أن يرتب أفكاره، وأن يجمع المتشابه منها في موضع واحد، وهذا يجنبهالتكرار، ويجعل الكتاب أسهل تناولاً. الملحوظة الخامسة: كان يمكن وضع الخرائط فيملحق مستقل على أن ترتب ترتيبًا تاريخيًا، وأن يذكر اسم المرجع الذي أخذت منه. وبذلك يصبح من السهل تجنب تكرار بعض الخرائط (ص 32 و 54)، ويلحظ أن المؤلف لم يستخدم خريطة توضح مواقع تحرك قوات المتطوعين شمال ووسط فلسطين (جيش الإنقاذ) والمشاركة السعودية واضحة هناك. والأمر نفسه يمكن تطبيقه على الوثائق المكتوبة، إذتكون ملاحق مرتبة ومرقمة، ويشار إلى أرقامها في المتن. أما بالنسبة للصور فيفضل ذكرتاريخ الصور المنشورة ومكانها ومناسبتها (في ص 50 وضعت صورة لا علاقة لهابالموضوع). الملحوظة السادسة: كان يجدر بالمؤلف أن يبتعد عن الأسلوب الخطابيوالأحكام القطعية والعناوين ذات الوقع الأدبي؛ وذلك حرصًا على موضوعية الكتاب. الملحوظة السابعة: كان يمكن تجنب بعض الأخطاء التي وردت في ثنايا الكتاب، ومثالذلك: ص 12 أن تنازل السلطان عبدالحميد حدث عند إنهاء الدولة العثمانية، ص 12 أنالحسين كان والي مكة، ص 13 أنه كان يجري على أراضي المملكة السعودية واليمن نضالاتضد الوجود الأجنبي (والمعلوم أنهما كانتا مستقلتين في الفترة التي يشير إليهاالمؤلف)، ص 15 يوجه المؤلف نقدًا قاسيًا إلى ندوة (فلسطين والمملكة العربيةالسعودية) بحجة وجود خلط في المعلومات، وأن المشاركين لم يرجعوا الصراع إلىجذوره... ومعروف أن موضوع الندوة كان محددًا. ص 28 أشير إلى أن دول المحور خلالالحرب العالمية الأولى، والأصح دول الوسط، ص 28 ذكر المؤلف أن وعد بلفور منح بعداحتلال بريطانيا أرض فلسطين، والأصح قبل ذلك الاحتلال، ص 29 أن هاشومير لا تعنيمستعمرة، بل هو نظام حراسة عسكرية، وقد أشير في ص 38 إلى القسام على أنه أحد مجاهديمعارك 1948م (استشهد في عام 1935م). وأخيرًا: إن الكتاب بمجمله يعد وثيقة علميةأرّخت لحقبة مهمة في تاريخ فلسطين من زاوية محددة تتمثل في الدور الذي أدته القوىالعسكرية السعودية، وكانت في بداية تكونها، في جهاد مقدس بغية الحيلولة دونالاغتصاب الصهيوني لأرض فلسطين. ومع أن تلك المحاولة لم تحقق أهدافها إلا أنها سجلت صفحة ناصعة في سجل البطولة.