تزامناً مع ذكرى اليوم الوطني، تستعرض مجلة قصة بناء الطرق في المملكة العربية السعودية من خلال قراءة لكتاب «قصة الطرق في المملكة العربية السعودية» للإعلامي السعودي محمد ناصر الياسر الأسمري. فهي قصة إنجاز طويلة وشاهد على سنوات النماء والبناء. وليس من السهل على الأجيال المتلاحقة في المملكة العربية السعودية، ممن ولدوا بعد وفاة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، يرحمه الله (1373ه)، أن يعرفوا ما كان من معاناة وقسوة في التنقل والسفر، ليس بين أرجاء شبه الجزيرة العربية، بل لسفر الضرورة لأداء الحج. ناهيك عما كان يعترض سبل من يأتون للحج من خارج حدود شبه جزيرة العرب من المشاق والمتاعب البدنية والذهنية. إن تباعد مسافات البلدان المتناثرة في السهول والجبال والصحاري، وانعدام السبل والطرق المعبدة السالكة بأمن وأمان، قد جعل العزلة نمطاً مسيطراً على أسلوب الحياة وطرق العيش، فكان هذا مؤشراً لعزلة لم تكن تسمح بأي نماء حضري ولا تواصل سياسي ولا اقتصادي ولا اجتماعي ناهيك عن أي قرار أو استقرار. فكل هذه عناصر جوهرية لفقدان الأمن والأمان، وهما من أسس التحضر والعمران وقيام الدول. لقد كان السفر قطعة من العذاب، ليس بسبب المشقة البدنية والذهنية فقط، بل بسبب انعدام الأمن على الأنفس والأموال. لكن رحمة الله جل وعلا، كانت هي التي وسعت كل شيء، فأفاء الله سبحانه على أرض الحرمين، فكان الالتفاف حول قائد كبير الهمة والعزم هو الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، يرحمه الله، فتوحدت الرؤى والأهداف على بناء كيان سياسي يلم الشتات، ويحفظ مقدسات الإسلام ويؤمن الطرق إليها للعمرة والحج. وكان لابد من بناء شبكات من الطرق السالكة لتكون من أسس التوحيد الوطني؛ إذ أن وطناً بحجم ومساحة المملكة العربية السعودية تعتبر الطرق فيه من أهم عوامل الاتحاد والمحافظة على الأمن الوطني. وبعد أكثر من نصف قرن على رحيل الملك المؤسس، وأغلبية جيله جيل البناة والتأسيس، ها هي شبكة عملاقة من الطرق البرية التي تم بناؤها وباتت صلة ربط وتواصل على كافة الصعد. وبات النقل والانتقال سهلاً ميسوراً وآمناً في الليل والنهار. فإذا كان للطرق تلك الأبعاد الاستراتيچية، فإن شبكة الطرق في المملكة العربية السعودية لها ميزة فريدة، فهي إلى جانب تسهيل الترابط والارتباط الشبكي على المستوى الوطني، فإن أمر تيسير وتسهيل عبور حجاج بيت الله الحرام عنصر إيجابي وهام في عظم المسؤولية أمام أمة الإسلام في تأمين سلامة ويسر وسهولة وأمان طرق الوصول إلى الأراضي المقدسة. ولا شك أن بناء الطرق قد أسهم في جهود الإعمار والارتقاء بالأنشطة إلى مستويات حضرية في زمن قياسي مقارنة بالعمر الزمني لقيام المملكة العربية السعودية ككيان سياسي على خارطة المجتمع الدولي، ذلك أن كل طريق يقام، تقوم معه نهضة حضرية، وأنشطة تجارية، ومجتمعات سكانية. فالعلاقة بين العمران وشبكة الطرق البرية بشكل عام علاقة تبادلية جد وثيقة، فالطرق في الغالب تتجه صوب المدن وتتفرع منها، كما أن المدن تخلق الطرق، والطرق بدورها تخلق المدن أو تعيد خلقها بالتعديل والتغيير في هيئتها. وبعد استقرار الأحوال السياسية، شرع الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، يرحمه الله، في تكوين مؤسسات الدولة الدستورية، وإنشاء الوزارات، فكانت وزارة المواصلات من أقدم الوزارات التي أنشئت، وكان ذلك في عام 1373ه-1953م، بعد أن مرت مسؤولية بناء وتشييد الطرق بعدة محطات في الانضواء تحت وزارة المالية و/أو الأشغال/البلديات. وجاء إنشاء وزارة المواصلات لتكون مسؤولة عن بناء الطرق والموانئ والبرق والبريد، وكان الأمير طلال بن عبد العزيز هو أول وزير لها، وتعاقب على المنصب عدد من الوزراء أبرزهم الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد حالياً، الذي يبدو أن أغلب التخطيط للبلديات لمرحلة التشييد قد تمت في مدة ولايته في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، يرحمه الله. إلا أن هذا لا يعني أن الطرق لم يبدأ العمل فيها إلا بعد تأسيس الوزارة، فقد اتضح أن أقدم إدارة عنيت بإصلاح الطرق في الحجاز كانت قد أنشئت تحت مسمى «مكتب إصلاح الطرق في الحجاز» عام 1355ه-1934م، والذي كان تحت مظلة وزارة المالية. بدايات التخطيط الإداري للوقوف على بدايات التخطيط الإداري، فقد أشار الأمير سلطان بن عبد العزيز، كما جاء في كتاب «الأنصاري ورفقاه»، إلى الاستراتيچية التي نهجتها الحكومة في عهد الملك المؤسس عبد العزيز، يرحمه الله، في بناء الطرق كما يلي: كيف يتم بناء الطرق؟ إن اختيار بناء أي طريق يمر بمراحل من الدراسات الفنية والإدارية، تشمل الجدوى الاقتصادية، وما سيحققه الطريق من نقلة حضارية في الربط والاتصال بمناطق مساره وما يتصل به من مسارات طرق أخرى. ولا تقل الدراسات الهيدرولوچية والطبوغرافية بحال عن دراسات الجدوى الاقتصادية، وهنالك اعتبارات لا بد من وضعها في الحسبان، فالتنسيق مع مجالس إمارات المناطق عنصر هام في تحديد الاحتياجات ومن ثم وضع الأولويات وفق برامج تحقق التوازن في توزيع الخدمات في كل منطقة؛ وبالتالي على المستوى الوطني مع وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة المالية. ولعل المسح الجوي من أهم أسس التخطيط التي يقوم عليها اختيار مسارات الطرق، وتقدير الكميات اللازمة من المواد، ومن ثم التكاليف المالية ومدد التنفيذ. ويكون التصميم الهندسي مرتهناً بما يتم جمعه من الصور الجوية وطبيعة الأرض، وكميات الأمطار، وشدة جريان الأودية التي ستقام عليها الجسور والعبارات، كل هذه دراسات متوالية بدقة. وإذا تجمعت هذه المعلومات يبدأ المصممون في رسم التخطيط للمسارات والكميات اللازمة من أعمال الطريق كالقطع الصخري، والردم، والزفت، وتقدير المال اللازم لبناء الطريق، وحجم العمالة اللازمة وتخصصاتها المهنية، وحجم المعدات اللازمة، وبرنامج التنفيذ زمناً ومالاً وعدداً، وأمكنة السكن والتموين، وتحديد مصادر جلب مواد التنفيذ كالتربة والبحص والزفت. وتعنى وكالة وزارة النقل للطرق بمراجعة كل ذلك من خلال الإدارة العامة للدراسات والتصميم، ويتم إقرار المشروع من وزير النقل. بعد هذا يدفع بالدراسة المتكاملة للتصميم؛ سواء أكان التصميم من قبل شركات استشارية وبيوت خبرة متخصصة، من خلال جهاز وزارة النقل إلى الجانب الإداري لتولي إدراج تكلفة بناء الطريق في ميزانية الوزارة ومن ثم ميزانية الحكومة لكي يتم مناقشة الأمر مع وزارة المالية لاعتماد التكلفة وبرامج التنفيذ. وتتولى هذه الجانب وكالة وزارة النقل للتخطيط والمتابعة في المناقشة والإقرار مع وزارة المالية لتصدر بعد ذلك ميزانية الوزارة ضمن الميزانية العامة للدولة. وتتولى عندئذ وكالة وزارة النقل للطرق الإشراف والمتابعة لأعمال التنفيذ، ووكالة وزارة النقل المساعدة للشؤون المالية والإدارية ما يخص الجوانب المحاسبية والإدارية. وإذا اعتمد المشروع، يتم الإعلان في الصحيفة الرسمية وبقية الصحف المحلية بالدعوة للمقاولين المصنفين من هيئة تصنيف المقاولين في وزارة البلديات والشؤون القروية عن مناقصة عامة وتفتح المظاريف في جلسة علنية بحضور المقاولين أو ممثلين لهم، ثم تدرس العطاءات تفصيلياً من قبل لجنة فتح وفحص العروض التي تتكون من خبراء في المالية والإدارة والشؤون الهندسية من كبار القياديين والمتخصصين في المالية والإدارة في وزارة النقل. ويتم اختيار المقاول المناسب للعمل وفق ما لديه من سابق خبرة، وملاءة مالية، ويبلغ بقبول عرضه وفق السعر والشروط التي قدمها ووافق عليها عند شراء دفتر شروط دخول المناقصات الحكومية. ويوقع وزير النقل العقد بالتكليف المباشر لما كان في حدود مئة مليون ريال سعودي، أما إذا زاد عن ذلك فيتم بتفويض من رئيس مجلس الوزراء. ويتم هذا بالتعاون والتنسيق بين وكالة وزارة النقل للطرق، من خلال الوكالة المساعدة للمشاريع، ووكالة الوزارة للتخطيط والمتابعة ممثلة في إدارة الميزانية ومتابعة الخطة، ثم من خلال وكالة الوزارة المساعدة للشؤون المالية والإدارية ممثلة في إدارة الشؤون المالية وإدارة المناقصات والعقود. وكل هذا لا يخرج عن إطار التصنيف الوظيفي للطرق المعتمد لدى وزارة النقل. صيانة الطرق السعودية صيانة الطرق عنصر مهم في إطالة عمر الطريق، والصيانة تبدأ بعد سنة الضمان من قبل المقاول المنفذ لبناء الطرق. وإذا كانت تكلفة بناء الطريق تختلف من منطقة لأخرى في المملكة العربية السعودية وفقاً لطبيعة وطبوغرافية الأرض، فإن تكلفة الصيانة كذلك. ففي المناطق الجبلية الصلبة تكون الصيانة أكثر تكلفة من غيرها من المناطق المستوية. ففي المناطق الجبلية عادة ما يهدد الطرق تساقط الصخور وتخريبها للجسور كما حدث لجسور طريق عقبة ضلع في عسير، وفي طرق جازان، والطريق بين أملج وضبا على ساحل البحر الأحمر، حيث جرفتها السيول المحلية. تكاليف الصيانة طرق مفردة 2044 ريالاً سعودياً/كيلومتر/السنة. طرق مزدوجة 3300 ريال سعودي/كيلومتر/السنة. طرق سريعة 5715 ريالاً سعودياً/كيلومتر/السنة. أنواع الصيانة صيانة عادية؛ وهي التي تعنى بنظافة سطح الطريق من أي عوائق أو مخلفات كالأتربة وبقايا حوادث المركبات، أو ما يعلق بالعبارات والجسور من مخلفات كالأتربة وحطام الأشجار والسيارات وغيرها. صيانة وقائية؛ وتعنى بالتعامل مع ما يحدث من تلفيات في جسم الطريق أو الجسور أو العبارات، وقد يتطلب الأمر إزالة أجزاء من الطريق وإعادة إنشائها و/أو رصفها بالكامل. وكانت الصيانة تتم للطرق وفق نمطية قديمة اعتماداً على المعاينة البصرية، وعلى ضوئها يتم حساب الكميات اللازمة. وهذه طريقة لم تكن مجدية في تلافي مخاطر بقاء أجزاء بدون صيانة أو عدم كفاية البنود والمواد. ومن أجل هذا، فقد طورت وزارة النقل نظاماً لإدارة الصيانة بأسلوب علمي وحسابات دقيقة، حيث تم تطوير هذا النظام عام 1986م عندما أعد فريق من الوزارة بالاشتراك مع فريق من خبراء البنك الدولي، نطاق الخدمات لمشروع نظام إدارة صيانة الطرق، وتم طرح المشروع - النطاق - في مناقصة عامة، دخلت للتنافس فيه شركات عالمية من بريطانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية. وتم تقييم العطاءات الفنية للشركات المتنافسة وفق أسس تم تحديدها مسبقاً مشاركة مع البنك الدولي الذي كان الذراع الفني للوزارة. وقد فتحت العطاءات المالية للشركات التي قبلت عطاءاتها الفنية. وتم إصدار أدلة إجراءات للعمل في الصيانة لطبقات الرصف والجسور والعبارات وغيرها مما أصدرته وزارة النقل وعرف بمجموعة الكتب الفنية التي هي موجودة تحت الطلب للمهندسين والمقاولين والباحثين والطلاب في مكتبة الوزارة. وقامت وزارة النقل بخطوة جيدة حيث أرسلت نسخاً من مجموعات الأدلة إلى العديد من الجامعات ومراكز البحث العلمي، وإلى اتحاد الطرق الدولي في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي چني?. المصدر: كتاب «قصة الطرق في المملكة العربية السعودية: التحدي والإنجاز - شواهد وشهادات»، بتصرف.