تلجأُ أنواعٌ كثيرة مِن المخلوقاتِ إلى الهروب على الدوام بفِعلٍ غَريزيّ، فإذا داهمها الخوفُ بأشكاله؛ ولّت هاربةً، تركضُ سريعاً وهي مذعورة، تنشُد الأمانَ لها ولصغارها، وتبتعد عن مَصدر الخطر، والإنسان أحد تلك الكائنات، يَقومُ بالهروبِ إرادياً ولا إرادياً مِن كلّ ما يكدّر صفوَ عيشه، ويلوذ بما يحقق لحياته الطمأنينةَ والسعادة. قد يُرمى أحدُ الأشخاص بتهمة الجُبن والخَوَر، لأنه يَهرب في مواقف تقتضي الهروب، ولكنّ الناسَ لا يتفهّمون أسبابَ ذلك الهروب؛ فيصفونه بالجبَان، ولو عَلِموا لالتمسوا له بدلاً مِن العذر الواحد عشرينَ عُذراً، سُئل الشاعرُ والفارس عنترة بن شداد: لماذا تفرّ مِن الثورِ وأنتَ عنترة؟؛ فأجاب: وما أدرَى الثورَ أنّي عنترة؟! لا يرتبط قرارُ الهروب بشجاعةِ أحدهم أو جُبنه، بقَدر ما يرتبط بما يمتلكه مِن الحكمة ليقرر الانسحابَ أو البقاء والمواجَهة، فربما كانت السلامةُ في الهروب دفعاً للشر واتقاءً لما لا تُحمد عُقباه، وهو ما يحقق للإنسان مكاسبَ كبيرة، أَفضَل مِن أن يتهورَ ويرتكب حماقةً تودي به في هاوية الخُسران والهلاك. يا رفيق الحرف، ليس مِن المعقول أن تَبقَى في حالة هُروب دائم، وكأنك لِصٌ يَخشى العِقاب، عليك أن تكفّ عن الهروب بِلا سبب، إلا أن تفرّ إلى الله تعالى خائفاً تائباً، وإلى والديك معتذراً طائعاً، وإلى حياتك مستدرِكاً مُصَحِّحاً، واعلَم بأن التحلّي بالشجاعة للإصلاح خيرٌ مِن اتخاذِ الهروب مَخرجاً دائماً. * يوسف بخيت الزهراني . * كاتب صحفي _ السعودية .