وقعت مواجهات عنيفة في باريس عندما قام مئات الملثمين برشق عناصر الشرطة بكل ما وصلت إليه أيديهم، على هامش تظاهرة ضمت عشرات آلاف الأشخاص احتجاجاً على إصلاح قانون العمل ما أسفر عن 26 جريحاً. وأدى إضراب العمال إلى إغلاق برج إيفل أبرز المعالم في فرنسا والعالم. احتجاجات واسعة وإصابات وتشهد فرنسا تظاهرات وحركة احتجاجات واسعة منذ مارس/ آذار 2016، وغالباً ما تتخلل هذه التحركات مواجهات مع قوات الأمن، التي هي أصلاً في حالة جهوزية خوفاً من اعتداءات إرهابية، على غرار ما حصل أمس الإثنين، عندما قُتل شرطي مع زوجته في ضواحي باريس على أيدي شخص بايع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن أدت حسبما أعلنت عنها السلطات الفرنسية، إلى إصابة 26 شخصاً بجروح، بينهم ستة متظاهرين و20 من عناصر الأمن، وذلك خلال صدامات عنيفة وقعت في تظاهرة باريس. في حين تم توقيف 16 شخصاً خلال هذه التظاهرة. وقالت الشرطة إن "مئات الملثمين" اصطدموا مع الشرطة بعيد انطلاق التظاهرة، وأطلقوا باتجاه عناصرها الحجارة وغيرها. واستخدمت الشرطة خراطيم المياه لتفريقهم. حشد كبير للتظاهر نقابتا "أف أو" و"سوليدير"، قالتا إن تظاهرة باريس جمعت نحو مليون شخص، في حين لم تقدم السلطات أي عدد بعد للمشاركين. فيما أعلنت النقابات وعلى رأسها الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي) حشد مئات الآلاف الثلاثاء ضد إصلاح قانون العمل. وكان الأمين العام للكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي) فيليب مارتينيز ردّ على الذين يتوقعون تراجع حركة الاحتجاجات، بالقول إن "تظاهرة الثلاثاء ستضم حشوداً لم نشهد مثلها منذ فبراير/شباط". فالكونفدرالية التي خصصت أكثر من 600 حافلة من جميع أنحاء فرنسا للنقل إلى العاصمة، وتحدثت عن جمع مشاركين يفوق عددهم يوم 31 مارس/آذار الماضي، حيث احتشد نحو 390 ألف شخص في 250 مدينة بحسب السلطات و1.2 مليوناً بحسب المنظمين. ودعي للتظاهر في نحو 50 مدينة وبلدة في كافة أنحاء فرنسا. وقال أورليان بوكلمون (26 عاماً) وهو تقني يعمل في قطاع الطاقة: "أنا أشارك في كل التظاهرات منذ مارس/آذار لأنني أريد أن أعيش بكرامة وأريد السحب الكامل لقانون العمل. ولن تتوقف الاحتجاجات طالما لم يسحب هذا القانون". وفي ليون (شرق الوسط) هتف المتظاهرون "الشبان يقاسون والمسنون بائسون، لا نريد مجتمعاً كهذا" وعندما مروا قرب مشجعي منتخب بلجيكا في كأس أوروبا هتفوا "بلجيكا معنا!" من جهتها، تأمل الحكومة الاشتراكية في أن يكون هذا التحرك الذي سيتركز في باريس، الأخير في سلسلة الاحتجاجات غير المسبوقة خلال حكم اليسار منذ 1981. إغلاق برج إيفل وصباحاً أقيمت حواجز في برست، وعمّ الإضراب ميناء مرسيليا. كما طالت التحركات قطاع الطاقة مع انخفاض الإنتاج في عدد من المحطات، وقطع خطوط التوتر العالي في منطقة باريس بحسب النقابة. كما أغلق برج إيفل أبوابه في العاصمة، نتيجة إضراب جزء من موظفيه، وارتفعت نسبة المضربين في السكك الحديد بعد 14 يوماً على بدء تحركهم الى 7,3% الثلاثاء من جميع الفئات، مقابل 4,6% الاثنين. يأتي ذلك بينما بدأ مجلس الشيوخ الفرنسي الذي يهيمن عليه اليمين دراسة مشروع قانون العمل الاثنين. وسيناقش أعضاء المجلس حتى 24 يونيو/حزيران 2016، مشروع القانون الذي فرضته الحكومة على الجمعية الوطنية بموجب بند في الدستور (المادة 3-49). ثم يفترض أن يجري تصويت في مجلس الشيوخ حيث لا يمكن اللجوء إلى الإجراء نفسه، في 28 يونيو/حزيران. وبالتالي تقرر تنفيذ يومين من الإضرابات والتظاهرات في جميع أنحاء البلاد في 23 و28 يونيو/ حزيران، ومن المقرر عقد اجتماع الجمعة بين زعيم الكونفدرالية ووزيرة العمل ميريام الخمري. مصير الاحتجاجات وقبل عام من الانتخابات الرئاسية، تؤكد الحكومة الفرنسية أن هذا الإصلاح الكبير الأخير في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، يهدف إلى توفير مرونة للشركات لمكافحة بطالة مستشرية تصل إلى نحو 10%، لكن معارضي المشروع يرون أنه يضعف الأمن الوظيفي. وأبدت الكونفدرالية العامة للعمل بعض المرونة في الأيام الأخيرة. فبعد أن كانت تطالب بسحب المشروع، باتت تأمل في إلغاء بنده الأكثر إثارة للجدل، والذي يخفف القيود القانونية حول تحديد ساعات العمل عبر إعطاء أفضلية للاتفاق عليها داخل الشركات. ومع انطلاق بطولة أوروبا أساءت التحركات إلى صورة فرنسا وخصوصاً إلى قطاع السياحة الذي أثقلت كاهله أصلاً اعتداءات 2015. كما شهدت الاحتجاجات تصعيداً منذ عشرة أيام مع فتح عمال جمع النفايات وطياري "إير فرانس" جبهة إضرابات أخرى اعتراضاً على ظروف عملهم. والأحد، نشر استطلاع للرأي كشفت نتائجه أن أكثرية ضئيلة من الفرنسيين (54 بالمئة) باتت ترفض مواصلة الإضرابات والتظاهرات. وكانت النسبة قبل ثلاثة أسابيع عكس ذلك تماماً.