قطعت وزارة العدل الطريق على ما يسمى ب«الشفاعة» في القضايا المنظورة في المحاكم السعودية، وبخاصة تلك التي تأتي من «أصحاب المناصب وذوي الهيئات»، وتعهدت بتحويلهم من طالبي «شفاعة» إلى «متهمين» سيخضعون إلى المحاكمة. ويلجأ البعض إلى «الشفاعة» لدى القضاة ليس من أجل التلاعب في الأحكام القضائية وتحريفها، بل لإعلام المشفوع له بأنه سعى من أجله لدى القضاء. إلا أن ذلك لن يكون «شفيعاً» لهم في عدم التعرض إلى العقوبات. وكشفت مصادر ل الزميلة «الحياة» عن صدور أمر من وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى، بمعاقبة «كل من يحاول تجاوز حصن القضاء الشرعي، ويحاول انتهاكه، وإحالته إلى المحاكمة، كائناً من كان». وأكد الوزير أن هذا الأمر «يشمل أصحاب المناصب وذوي الهيئات كافة». وشدد العيسى على القضاة بضرورة «تطبيق المادة 20 من نظام الإجراءات الجزائية، التي قضت على أنه «للمحكمة إذا وقعت أفعال من شأنها الإخلال بأوامرها، أو بالاحترام الواجب لها، أو التأثير في أحد أعضائها، أو في أحد أطراف الدعوى أو الشهود، وكان ذلك في شأن دعوى منظورة أمامها، أن تنظر في تلك الأفعال وتحكم فيها بالمقتضى الشرعي». وجاء أمر العيسى، بعد أن رفع رئيس إحدى المحاكم، شكوى مذيلة بطلب التوجيه، أوضح من خلالها تعرض القضاة إلى «الحرج»، جراء «تدخل بعض ذوي الهيئات وأصحاب المناصب بالشفاعة في الدعاوى المنظورة لدى المحاكم، على رغم تنبيه القضاة بأن الشفاعة تُعد بمثابة مخالفة لنظام الإجراءات الجزائية وموجبة للعقوبة»، مؤكداً في خطابه أن «أصحاب المناصب وذوي الهيئات يذكرون في شفاعتهم أنه يرغبون في معرفة المشفوع له بتقدمهم للشفاعة، ولا مانع من الحكم بما يشاء القاضي». بدوره، أكد القاضي عضو مجلس الشورى الشيخ الدكتور عيسى الغيث، في تصريح إلى «الحياة» أن «التدخل في سلطة القضاء من الأمور المحرمة شرعاً ومجرّمة نظاماً، وفي حال تدخل أي شخص في سلطة القضاء ب «الشفاعة»، والمطالبة بتخفيف الأحكام، يوجه إليه أولاً الإنذار بخطورة ما يقوم به، وعدم جواز التدخّل في أعمال القضاء، وفي حال تكرار الفعل منه، فالقاضي المطلوب الشفاعة لديه يُعد محضراً بذلك، ويوجهه إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، التي بدورها تحقق مع طالب الشفاعة، ومن ثم تحيل القضية إلى المحكمة الجزائية، وفيها ينظر القاضي، ويحكم فيها بحسب ملابسات القضية، وعدد مرات التدخّل ومطالبات الشفاعة، وما إلى ذلك، ويحكم فيها بالتعزير». وقال: «إن الشفاعة في الحق العام محرّمة ومجرّمة بشكل مطلق. أما في الحق الخاص، فيمنع ويجرّم التوجه بها للقاضي لمطالبته بتخفيف العقوبة، ونحو ذلك، ولكن يجوز التوجه بها لصاحب الحق الخاص، للمطالبة بالصلح والتنازل عن الحق الخاص، ولكن ذلك يكون خارج جلسات المحاكمة». وفرق القاضي الغيث بين الشفاعة أمام القضاء، التي تكون بتقديم تزكية، أو بيان بعض المعلومات الصحيحة والإدلاء بها أمام القاضي، وبين التقدم للقاضي بطلب شفاعة لتخفيف الحكم عن المتهم، أو طلب نفي التهمة، أو الحكم لمصلحة طرف معين، لافتاً إلى أن «الأول لا يعد تدخلاً، وإنما هو من صلب العمل ومصلحته، أما الآخر فيُعدّ تدخلاً ممنوعاً ومُجَرَّماً». وأكد أنه «لا يوجد أي تدخل في سلطة القضاء، وحتى المكلف بالتفتيش القضائي ليس من صلاحياته التدخل في صميم العملية القضائية»، مضيفاً: «إن هذا موكول لدرجات التقاضي، وهي محاكم الاستئناف والمحكمة العليا، فالعمل الفني للقاضي يستقل عن رئاسة المحاكم وعن التفتيش القضائي كذلك. فيما يتبقى الخدمات الإشرافية على حُسن سير العدالة وضمان شفافيتها وخدمة شؤونها الإدارية والمالية». وأكد أن «القضاء مستقل ولا يجوز لأية جهة أن تتدخل في أعماله بما في ذلك وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، اللذان يعدان في حقيقتهما الحارس والضامن التنفيذي لهذا الاستقلال، والداعم الإداري والمالي لعمل المحاكم». محمد العيسى.