أكد سماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أهمية النهوض بالوقف الإسلامي الذي يعد عماد الحياة الاجتماعية في المجتمع المسلم كالتكافل والتعاون على البر والتقوى، وعطف الغني على الفقير وأخذ القوي بيد الضعيف ليعيش الجميع حياة كريمة. وأوضح في كلمة بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع للأوقاف الذي تنظمه الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، بعد غد السبت، تحت عنوان "نحو إستراتيجية تكاملية للنهوض بالوقف الإسلامي" أن الإسلام أولى عناية فائقة بالمجتمع المسلم ليكون مجتمعاً يعيش أفراده فيما بينهم إخوةً متحابين يسود التراحم والتعاطف بينهم تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وقال سماحته: "ولتحقيق ذلك حثَّ الإسلام أتباعه على الإحسان قال تعالي: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وقال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، كما حثّ كذلك على الإنفاق في أوجه البر والخير وبذل صدقة التطوع قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) ".
وأضاف أن "من الصدقات التطوعية التي يتعدى نفعها للآخرين الصدقة الجارية التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له).
وبين سماحته لمفتي العام أن من أنواع الصدقة الجارية الوقف الذي شرعه الله وندب إليه وجعله قربة من القرب التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، حيث لم يكن أهل الجاهلية يعرفون الوقف وإنما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليه ورغَّب فيه، فقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم ووقف أصحابه ولا يزال الناس يقفون من أموالهم إلى يومنا هذا، مشيراً إلى أن في التاريخ الإسلامي أمثلة كثيرة للأوقاف التي استفاد منها شرائح مختلفة في المجتمع لسنين طويلة كالمساجد والمدارس والآبار والحدائق والنخيل ونحو ذلك.
ونبّه سماحة المفتى إلى أن الأوقاف في عصرنا الحاضر بحاجة إلى تنظيم شؤونها، والطريقة المثلى لإدارتها وتطويرها وتطوير الوسائل الرقابية عليها، وكذالك البحث عن أفضل سبل لاستثمارها واستثمار مواردها بما يجعل الأوقاف أقرب إلى تحقيق الأهداف المنشودة منها، والاستفادة المثلى من ريعها وعوائدها.
وأشاد سماحة مفتي المملكة بالمؤتمر الدولي الرابع للأوقاف بالمملكة العربية السعودية، مبيناً أنه جاء ليسهم في هذا المجال وذلك بدراسة ومناقشة سبل النهوض بالوقف الإسلامي من خلال محاور وموضوعات عديدة تثري موضوع الأوقاف بالبحث والدراسة وكتابة بحوث شرعية مؤصلة تهدف إلى تحقيق عدة أهداف، منها: إعداد خطة عملية لمستقبل المؤسسة الوقفية وتحديد اتجاهاتها ومعالجة الثغرات الموجودة حالياً في بعض مؤسسات الأوقاف وتطوير طرق استثمار الموارد الوقفية وغيرها من الموضوعات المهمة المتعلقة بهذا الجانب.
وأوضح المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء إمام وخطيب المسجد الحرام رئيس المجمع الفقهي الدولي بجدة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد أن أول وقف في الإسلام هو وقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ولفت الانتباه إلى أنه لا يقتصر أداء نظام الوقف في الإسلام على المسلم وحده، بل توجد أوقاف عامة تشمل المسلم وغيره، كما وجدت أوقاف خصصت في القديم والحديث للإنفاق على غير المسلمين، وإصلاح معاشهم وإعانتهم، وتأليف قلوبهم ودعوتهم، وتعرض الفقهاء رحمهم الله تعالى لمسائل من ذلك، وخصصوا لها حيّزاً في كتبهم المتخصصة مما يدل على عناية الإسلام بغير المسلمين من جهة الوقف وأحكامه وتشريعاته. ووجد من الأوقاف ما شمل الحيوانات أيضاً (البهائم والطيور).
وعدّد إسناد أدوار الوقف في العصر الحالي بالإفادة من معطيات الصيغة الوقفية فيما فيه الصالح العام، وتنشيط وتنمية فاعلية ودور الوقف في تحقيق التكافل الاجتماعي وأن ينطلق العمل الوقفي المعاصر من خلال تخطيط إستراتيجي تنموي، قائم على أسس علمية مدروسة، وإيجاد آلية للتنسيق وتبادل المعلومات وإقامة الندوات والمؤتمرات والدراسة والبحث عن أنجع السبل لإدارة واستثمار الوقف.
وأفاد الشيخ بن حميد أن من بين تلك الأدوار دعم برامج وأنشطة ومشروعات ومؤسسات متخصصة في رعاية بعض فئات المجتمع (الأسرة والمرأة والشباب والطفولة وذوو الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وكذلك العمل على أن يكون الوقف صيغة مثلى للإنفاق في أوجه الخير وتحري المصارف الشرعية في ذلك، كما هو كذلك إطار للتنمية وزيادة الموارد وصولاً لتحقيق المقاصد الخيرية للواقفين تحقيقاً لمنافع الدنيا والآخرة، إضافة إلى إخضاع أعمال الوقف للرقابة والضبط الشرعي والمالي والإداري وإتاحة المجال للواقفين للإطلاع على تقارير وسير أعمال الوقف بصورة دورية، واستطلاع وتشجيع آفاق جديدة لتلبية المستجدات من أوجه الخير وتنمية البعد الاجتماعي الإنساني واعتماد الدراسة والبحث والتخطيط العلمي أساس العمل.
وقال الدكتور بن حميد: إن للإعلام دور في تفعيل الأعمال الخيرية والتطوعية ذات العلاقة وبخاصة الوقف، مشيراً إلى عدد من التوصيات العلمية التي قد تتحقق من خلالها الأهداف المرجوة للإفادة من الإعلام كقوة دافعة للتوعية بالوقف كما رآها بعض المختصين والباحثين، ومؤكداً في هذا الخصوص أهمية التعريف الوافي بالوقف ومنافعه الدنيوية والدينية، وأهمية التخطيط السليم لطبيعة التوعية الإعلامية بالوقف، من خلال مراعاة التركيز على إبراز مدى حاجات الناس الماسة للعمل بهذه السنة العظيمة، التي تعود منفعتها على الأفراد بخير لا ينقطع في الدنيا والآخرة؛ إذ إن بعض الدراسات تشير إلى أن درجة تفاعل الناس مع الرسائل الإعلامية مرتبطة بشكل رئيس بمدى حاجتهم لمضمون تلك الرسالة.
ومضى قائلاً: "ينبغي على الجهة المختصة في تنظيم الوقف والإشراف عليه ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد توضيح الدور الذي تقوم به وكذلك طبيعة نشاطها، وأهمية إجراء دراسات ميدانية على جمهور الوقف للتعرف على مستوى إلمامهم بهذا العمل الخيري المهم، ولتحديد العناصر الأساسية لتطوير عملية التوعية بالوقف والوسائل الإعلامية الأكثر وصولاً لهم،و تشجيع المؤسسات التعليمية على الاهتمام بموضوع الوقف ليحظى بنصيب وافر في مناهجها الدراسية، ولتتم التوعية به من قبل القائمين عليها، وضرورة التواصل مع وسائل الإعلام وتزويد القائمين عليه بالمعلومات اللازمة حول الوقف وأحكامه وأهميته للمجتمع ودعوتهم لحضور الندوات وجلسات النقاش التي يمكن أن تحفزهم بالمشاركة إعلامياً في توعية الجمهور به.