شهد مقر وزارة العمل في الرياض ظهر أمس، مواجهة حوارية عاصفة استمرت أكثر من ساعة بين قرابة مائتي محتسب من جهة، ووزير العمل المهندس عادل فقيه من جهة أخرى، على خلفية تمكين المرأة من العمل. وكان المحتسبون قد توافدوا بتنسيق مسبق، من مناطق مختلفة بهدف إقناع وزير العمل بمنع النساء من العمل في عدد من القطاعات. وفي بداية اللقاء اتهم المحتسبون الوزير بمخالفة أعلى سلطة شرعية في المملكة، وهي هيئة كبار العلماء، على حدّ وصفهم، وعدوا السماح بعمل المرأة في محلات المستلزمات النسائية أنه «فساد وفسق». وتوعّد بعضهم الوزير ب «الدعاء عليه في الحرم بأن يصيبه مرض السرطان» وأمهلوه شهراً كاملاً قبل أن يلجأوا للدعاء. وشملت اعتراضات المحتسبين سماح وزارة العمل للعمالة الأجنبية بالعمل مع الموظفات السعوديات، ما زاد بحسب أحاديثهم حالات التحرش بالنساء وحالات الابتزاز من واقع وقائع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما أبدوا اعتراضاتهم على سماح وزارة العمل أيضا بعمل النساء في الأسواق التجارية من دون موافقة ولي أمرها، متهمين الوزارة بمصادمة الأحكام الشرعية، والتركيز على مخالفة الخلوة بالمرأة من قبل المشرفين الذكور من دون التطرق لمسألة الاختلاط. وزادت حدة النقاش باتهام المحتسبين للوزارة بتعطيل أحكام قضائية، ومحاولة إغلاق ملف المطالبات القضائية في ديوان المظالم في ما يخص الشكوى المرفوعة بوجود ملاحظات عدة بتوظيف المرأة في المملكة. ووصف المتحدثون الوزير بأنه خالف بقراراته أعلى سلطة شرعية في المملكة وهي هيئة كبار العلماء. وفي المقابل دافع الوزير فقيه عن الإجراءات التي اتخذتها وزارته حول آلية توظيف النساء، معترفاً بوجود أخطاء وملاحظات ستتلافاها الوزارة خلال الأيام المقبلة. وأكد فقيه أنه مؤتمن على عمل المرأة، وفق ضوابط معينة، لتحقيق فرص العيش للمواطنين والمواطنات على حد سواء، مشيراً إلى أن وزارته قد نقلت عمل النساء من قارعة الطريق إلى الأسواق. ورفض وزير العمل كثيرا من الاتهامات المتصلة بتوظيف المرأة، بقوله إن هناك حكماً ابتدائياً في ديوان المظالم، موضحاً أنه لن يسهب في الحديث عن القضية المرفوعة ضد وزارة العمل لأن الجهات القضائية هي الفيصل بين المتخاصمين، وهي المرجع في كثير من الاختلافات بين جميع الأطراف. وأكد دعمه لملف القضية بما يكفل تعزيز موقف وزارة العمل في هذا الخصوص. وقال «نحن منزعجون كما أنتم منزعجون، ومتألمون كما انتم متألمون، ولكن الأخطاء والخلل موجود في كل القطاعات والمجالات، والبشر معرضون للخطأ في كل وقت، ونحن لا نقبل بذلك دون شك، ويجب أن نتكاتف جميعاً لمحاربة الأخطاء والممارسات السيئة إن حدثت». وأضاف «يزعجنا أيضاً فهم بعضكم أن وزارة العمل لم تطبق الأوامر السامية، وهذا فهم خاطئ وناقص، فمن لم يقتنع بما نقوله ونوضحه من خلال عملنا فعليه أن يسلك الطريق الصحيح، ويحاججنا أمام القضاء، ويرفع دعوى علينا في ديوان المظالم، فالقضاء هو الجهة التي تحكم بين الناس إذا اختلفوا، ولا يحق لأحد أن يقول هذا خطأ ويفرض تغييره، بل يتقدم بالنصح وإن لم يقتنع بردنا يذهب إلى القضاء». وأضاف «هناك القضاء الإداري، وهو من يصدر القرارات ضد الوزارات، وضد الإدارات الحكومية، وهذا هو المسلك المتحضّر، ومن حق الوزارة أن تستأنف وتستخدم كل أدواتها النظامية، وهناك قضاة يحكمون بشرع الله، فإذا حكموا وقالوا إن وزارة العمل على خطأ، فسنقول سمعاً وطاعة، وسننفذ أمر القضاء. لكن لا يحق لأي إنسان مهما كان صلاحه واحتسابه، أن يتجاوز احتسابه تقديم النصيحة، لأنه لا يمكن إلغاء قرار الا بحكم الجهة التي أولى لها نظام الحكم في هذه البلاد إصدار الأحكام الشرعية. وأضاف: نحن ندعي أننا وضعنا في قراراتنا ضوابط تراعي شريعتنا وخصوصيتنا، والآن بدأت الوزارة بتعيين مشرفات متفرغات للعمل في المراكز التجارية للإشراف الكامل على متابعة تأنيث المحلات، وخصصت هاتفاً مجانياً وبريداً إليكترونياً؛ لتلقي أية شكاوى عن ممارسات خاطئة ليتم التعاون معها وعمل اللازم حيالها. وحدد الوزير فقيه ثلاثة محاور اختلف فيها المحتسبون الذين يجتمعون بالوزير للمرة الثانية بعد أقل من عشرة أيام من الاجتماع الأول. وقال الوزير إن المحور الأول هو اعتراض هؤلاء المواطنين على عمل المرأة بشكل كامل في قطاع التجزئة. أما محور الاختلاف الثاني بحسب فقيه فهو وجود عديد من المخالفات بتوظيف المرأة قائلا «نحن متألمون ومنزعجون من هذه المخالفات، ولكن البشر معرضون للأخطاء، ويجب أن نتكاتف لوقف الأخطاء وتصويبها التصويب الأمثل. أما المحور الثالث فهو اتهام المواطنين لنيته وصلاحها وتغريب المرأة، قائلاً «النيات لايعلمها إلا الله، ولن أزيد على ذلك». وكشف وزير العمل في هذا السياق عن إغلاق الوزارة مراكز تجارية كبرى لمخالفتها ضوابط عمل المرأة، وهو ما يؤكد نهج الوزارة في معاقبة المخالفين في ظل دعمها مؤخرا بعديد من المفتشين لمراقبة ومتابعة الأسواق. وأعلن عن عزم وزارة العمل إطلاق عديد من المبادرات خلال الفترة المقبلة، ومنها المبادرات الخاصة بالمرأة، وهي العمل عن بعد، والعمل الجزئي، والعمل من المنزل، وبرنامج الأسر المنتجة.