الإرهاب له بضع وتسعون شعبة ... إنما لا أظن أن من بينها ( إرهاب فكر ) ، ولعلي أرى أننا أصبحنا نسير وفق منهج جعله لنا البشر وخطط له ، ومهده على أعلى المستويات وفتح لنا بوابته ، فأتيناه سعيا وتساقطنا عليه كتساقط الفراش على لهيب النار . تفاصيل صغيرة فقط جعلنا منها مشكلات لا حصر لها .. أصبحنا نحن العرب بصفة عامة أرض خصبة لكل من أراد طرح تجربة ، مكان مناسب للتقليد ، شعوب تتأثر ولا حظ لها في التأثير على الغير، فكر ساكن.. لا يتجدد ولا يجدد.. لا يحيا ولا يموت ، فكر يجهل فن التأمل ..وفن التساؤل . وفن الحوار.. وفن النقد ، وكأننا نحمل جينات تجارية تقليدية تتشبث بكل طرح دون معرفة ماهية الأمر المطروح ... ربما لو أردنا أن نفعل مسألة التأثير في نفوسنا على الغير لكان تأثيرنا إيجابيا كون الشعوب الإسلامية العربية تنطلق في فكرها من الوحي السماوي وبذلك نكون قد حققنا الايجابية وطمسنا الهوية السلبية ، بينما ما يحدث هو العكس تأثرنا بالغير فأصبحنا نقبل ونتقبل حتى عم الفساد في البر والبحر ، وكل هذا نتاج ( الفكر ) ، أولم تقرأوا في التأريخ منذ فجر الإسلام وقبله ، أومآ كان للفكر صولات وجولات في جميع شؤون الحياة ، فمنهم من وكزه فكره حتى قتله ، ومنهم من ارتقى به حتى جعله أميرا للمؤمنين ، وهكذا سارت سفينة الحياة تحمل على ظهرها الكثير والكثير من أصحاب الفكر الايجابي والسلبي . ومن الغريب أن من يحاول البعد عن التقليد في الفكر يطارد حتى أقصاه فلا يكاد ينفذ حتى يقع فيما وقع فيه غيره ... ومحاولة تدجينه حتى يصبح كالببغاء يردد ما يقال ويفعل ما يُفعل .. وهكذا .. وكما قيل العلاقة بين الآثار النّفسيّة للإرهاب وأشكاله المختلفة متلازمة، بمعنى أنَّ زوال تلك الآثار من حياة الإنسان مرتبطٌ جوهريّاً بزوال الإرهاب نفسه . الأمر الّذي يستدعي تضافر كافة الجهود للتّخلّص منه. أنا سأتجاوز تسميته ( إرهاب فكري ) وأصفه بأنه ( أزمة فكر ) وهذا عن قناعة ولست إلا بشر فربما أتى من قال لي بعكس ما أقول ، إنما هو رأي شخصي . أزمة فكر تقمع كل رأي مخالف ، بمخالب من فولاذ ، وناب حاد يكاد يمزق كل فكر لا يوافق .. الأمة الإسلامية عانت منذ فجر التاريخ وتعاني وستعاني لا من قلة الموارد الاقتصادية ولا قلة الموارد البشرية إنما عانت من ( أزمة الفكر ) بل بما لدينا من خيرات نستطيع أن نقود العالم بأسره لو كانت القيادة بقوة المال وكثرة البشر ولكننا نعاني ونعاني بشدة من أزمة الأفكار .. ( وقد جندنا أفكارنا لمحاربة أفكارنا ).. وبهذا سنبقى مدى الدهر لا نتقدم نقف في نفس الخانة الفارغة إلا من خيالاتنا . إذ قد قال أصحاب هذا الفكر قديماً: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}، يونس: 78. وماذا كانت نهايتهم ؟؟ أترك لحضرتكم الجواب . وهذا هو بعينه اغتصاب للعقل ، وإرغامه على موافقة عقله ، باستعمال كل الوسائل المتاحة حتى استخدام الوسائل القذرة في سبيل توافق وإقناع الأفكار دون النظر في مآلات النفوس من الاقتناع وعدمه . وكان رائد اغتصاب الفكر ذلك ( فرعون ) الذي أجبر الناس آنذاك على تصديقه واغتصب كل العقول اغتصابا شنيعا {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي}، القصص: 38. وكما هو الحال الآن أصبحت القنوات الفضائية تلعب دورا هاما - وخبيثا في نفس الوقت - على وتر ( الفكر ) فخلطت الحابل بالنابل ، وشبكت بين أمة وأختها حتى لا تكاد تعلم عدوك من صديقك .. تتلاعب بعقول الناس كيفما تريد فهي فرعون هذا الزمان . ألم يقنع فرعون الناس بأنه إله ( جل الله وعلا ) هاهو فرعون هذا الزمان يقنع الكثير بما يطرح من فكر زورا وبهتانا والكثير منجرف خلفه ولا حول ولا قوة إلا بالله . وأكاد أجزم لو أن قناة الجزيرة أعلنت غدا قيام الساعة في دولة المجر لنزح كل أخواننا العرب من تلك الدولة مهرولين لدولهم ، ولرأيت المساجد تكتظ بالمصلين استعدادا لقيام الساعة في بلدانهم . ويا للعجب . أصبحت أفكارنا تدار بالريموت كنترول .. استبداد ، إقصاء للرأي، التباس ، نفاق وعدم وفاق ، قمع للإبداع الفكري ، مفاهيم مغلوطة ، وكل هذا وأكثر بسبب أزمة الفكر التي نمر بها وبعد هذا كله استعدوا للاستعباد الفكري بكل أنواعه . عليه أقول : أن اهتمامنا بتنقية عقولنا وأفكارنا أهم بكثير من اهتمامنا بتنقية أراضينا من عبث العابثين ، فلو صلحت العقول والأفكار لصلح الناس وبالتالي صلحت المجتمعات . وبالتالي أدعو نفسي وأنتم إلى تحكيم العقول ، ومحاولة معالجة الشلل الفكري الذي نعيشه ، وإنعاش الإرادة ، والعمل على تحدي كل الأزمات ، ومحاولة قتل أزمة الفكر في مهدها وذلك بالسعي للتحكيم الديني ولا غير ، فديننا ولله الحمد خير حاكم لا يُصادم فكر سوي ، ولا ينتهك عقل قويم ، وحتى لا نقع في أزمة فكر جديدة تقبلوا ما كتبت بكل هفواته ، فكل ما كتبت رأي يعنيني ، مع معرفتي المسبقة بانقسام القراء بين مع وضد . هذا وإلى الله المآب وعليه التكلان وإليه الملاذ . والسلام عليكم ،،،،، طلال الثبيتي في 7 / 8 / 1432 ه [email protected]