حين كنت نزيل المستشفى خلال أيام العيد قبل عشر سنوات، أفقت من نومي صباحا ونظرت إلى شاشة التلفزيون وهي تنقل الصلاة من الحرم المكي، والتفت ملقيا نظرة للخارج من نافذة غرفتي التي تطل على حديقة جميلة في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني، كان الصباح منتشيا بسحاب، ورذاذ جميل، وطيور تفيق فوق الأشجار، وكل شيء رأيته كان يبعث النشوة في وجداني، وأحسست بعودة الحياة، كل شيء يبدو جميلا، وكنت أتمنى أني بين الأهل في مخيم قي الثمامة (صحراء قرب الرياض) لأستمتع بالمطر الصحراوي، واستنشق رائحة المطر بالطين. انتبهت أني وحيدا، لا أستطيع الحراك، فبدأت تصيبني حالة من الكآبة فأنا وحيد، بعيد عن الناس، والعيد. انتهت صلاة العيد التي كنت أتابعها على التلفزيون، وفتح باب غرفتي، لم تكن الممرضة ولا الطبيب مثل العادة بل دخل رجلان يحملان هدايا، شككت في البدء أن الأمر لا يخصني، وأنهما جاءا لقريب لهما، لكن أحدهما انحنى، وقبل جبيني، ودعا لي بالسلامة، وقال عيد سعيد، ثم وضع عربة خشبية مليئة بالحلوى وبعض الورد، وكرت معايدة، وشيء آخر نسيته، وقال نحن لجنة أصدقاء المرضى جئنا نعيد عليك، وبقي يتكلم معي لدقائق ثم خرج هو، ومساعده. أخذت العربة وجلست أنظر إليها فرحا بشكل لا يمكن وصفه، سعيدا بهذه الروح الإنسانية الكريمة لتلك اللجنة، التي زارتني في تلك الظروف الصعبة من حياتي. لم أنس الحادثة، ولم أنس وجهي الرجلين، وجاءني إحساس غامر بأني أمضيت عيدي مع الناس فلم تنسني الحياة في غرفة المستشفى في يوم يبعث الروح في القلوب المتخشبة.. أكثر من عشر سنوات مرت على الحادثة، وكلما جاء العيد فكرت بهؤلاء القابعين في الأسرة، أو السجون، الذين فرضت عليهم الحياة نوعا من العزلة، أو ألهتهم واجبات العمل، ومر يومهم مثل أي يوم معتاد، وكم يحتاج هؤلاء منا إلى نظرة إنسانية وبطاقة رمزية تذكرهم أننا معهم. أوردت الحكاية لأذكر بكل المعزولين عن الحياة أيام العيد، منهم المرضى، والعجزة الذين مروا بهذه الحياة واستهلكهم العمل ثم تساندوا معزولين عن الحياة، بعضهم آباء، وأمهات لنا، وبعضهم أخوة في الله ومن عمل الخير السهل أن لا ننساهم هذا العام عندما تعمنا أفراح العيد، ونجتمع مع من نحب، أقول علينا أن لا ننساهم ولو بعد العيد. العيد الذي يأتي كل عام، ومعه كل المناسبات المتعاقبة هو زمن تذكر لنا جميعا بعد الانشغال بلهاث الحياة، وفرصتنا كبيرة في إسعاد إنسان آخر، لأن الله يعطي السعادة من أعطاها، ويسلبها ممن حرمها غيره ولو بالجهد القليل. لنخرج المعزولين بالضرورة من عزلتهم بزيارة، أو هدية أو كلمات تبريك تعني أننا نذكرهم، فأثر هذا اليوم في النفوس غير أثر الأيام الأخرى.