يذهب عيد ويأتي عيد : انه يختلف معنى العيد في اذهان الصغار عن معناه في اذهان الكبار، فهو عند الصغار فرح ولهو وحلوى ورحلات واوقات ممتعة بريئة وهدايا وملابس جديدة وذكريات جميلة لا تمحوها الايام . اما العيد في اذهان الكبار فهو اعمق من مجرد الفرح الطفولي العابر، فالكبار ينظرون الى العيد على انه محطة استراحة ومكافأة مجزية للعبادة وعمل الخير والصيام والقيام والاتجاه الى الخالق العظيم بالحمد والشكر على نعمة الاسلام . في عيد الفطر على سبيل المثال تتولد لدى المسلم العاقل البالغ رؤية خاصة عن الحياة والناس فالحياة اجمل عندما تكون مليئة بالجهد والعمل ونبذ الكسل ولترفع عن الجشع والطمع والاحقاد والطعن من الخلف ! وفي العيد يستمر صفاء النفس الذي تعودته في شهر رمضان الكريم، حيث البر والبذل والعطاء والتسامح والترفع عن الصغائر والنظر الى الفقراء والمحتاجين، ومد يد العون لهم، ومحاولة ادخال السعادة الى قلوبهم ونفوسهم بما يتوافر لدى الانسان من وسائل جميلة ونوايا صادقة . وفي العيد يتزاور الناس ويصلون ارحامهم وتعلو وجوههم البسمة ويتواصلون بعد قطيعة ويقتربون من بعضهم من خلال التحية والهدايا والذكريات الجميلة . وفي العيد فرصة للتوقف عن اللهاث وراء العمل المضني ومراجعة النفس وتعديل السلوك الخاطئ ورسم مسار جديد للحياة والتعامل مع الناس والاشياء . ان العيد ايضا مناسبة للتفكير فيما مر به الانسان من افراط وتفريط والعدول عن ذلك والتطلع الى آمال وآفاق جديدة لاسعاد النفس والناس والاخلاص والولاء للوطن . ولا اريد بهذه العجالة ان اضع الحواجز امام من يريدون الفرح والنزهة والسفر واللهو البرئ . ولكني اود ان اشير الى ان العيد ليس انطلاقا من الاهواء وشهوات النفس، ولا هو صرف وتبذير ومباهاة لا طائل من التمادي فيها والغرق في اوحالها، ولا هي المبالغة في الاحتفال بالعيد ولا هي الاهمال - الامر وسط بين ذلك . لقد عاش اباؤنا واجدادنا اعيادهم وفرحوا بها وادخلوا السرور الى قلوبهم وقلوب الناس وحافظوا على سمتهم واخلاقهم الحميدة وسلوكهم القويم، ولم يفكروا في الانحراف او الانجراف نحو الملذات، ولكنهم تعاملوا مع العيد على انه مساحة لسمو النفس وتطهيرها من الشوائب والادران وتقوية الصلات الاخوية والانسانية . اعاد الله علينا العيد ونحن في هناء وعز وسؤدد وعلى امتنا العربية والاسلامية وهي ترفل بثياب النصر والعزة والكرامة والتقدم - ان شاء الله - . .