مع الفاتح من محرم، دشنت وزارة العمل حملتها لكشف عمليات التستر والسعودة الوهمية، فكانت الأرقام المدونة في الساعات الأولية – التي تداولتها وسائل الإعلام- توحي بمدى عمق الكارثة الاقتصادية التي يعيشها سوق العمل لدينا. تلك الأرقام لو كانت تملك لساناً لقالت (إن سوقكم أيها السعوديون مختطف. وإن ثرواتكم الاقتصادية يتم استنزافها للخارج وإن البطالة التي يعيشها جيل الشباب سأجعلها تمتد للقادم من الأعوام). نعم، علينا أن نقرّ بأنه وضع اقتصادي خطأ، اتسم بالعشوائية، وحدّ من فرص النمو الاقتصادي لرأس المال الداخلي، وساهم في تفاقم البطالة، ولهذا كان لزاماً أن يصحح حتى وإن كانت إجراءات التصحيح هذه قاسية على البعض وتساهم في تذبذب المستوى النوعي للخدمات المقدَّمة للمواطن. عملية تصحيح السوق هذه – في اعتقادي- ستوجِد وضعاً اقتصادياً تنظيمياً وخدمياً غير مستقر لفترة زمنية، سرعان ما يتعافى وبشكل تدريجي سوق العمل ويعود لسابق أدائه كنتيجة حتمية لجملة أمور لعل من أبرزها تزايد الطلب وكذلك حتمية البقاء – سيرورة العيش الاجتماعية- وأيضاً الاستفادة الثنائية والمتبادلة التي يولدها رأس المال بين مقدم الخدمة وطالبها (ثنائية المواطن- التاجر) الأمر الذي سيجعلهما يجدان في إيجاد وابتكار الحلول اللازمة لصعوبات توفر اليد العاملة التي ستنشأ جراء تطبيق إجراءات مكافحة التستر هذه. أيضاً وكمواطنين، علينا أن نكون على قدر من الوعي بأن عملية تصحيح واقع سوقنا الاقتصادي سيتم استغلالها من قبل الطابور الخامس وعرّابوا شائعات مواقع التواصل الاجتماعي الذين قد بدأوا من اليوم الأول للتطبيق في إطلاق جملة من الأخبار المبالغ فيها والمكذوبة، كتوقف الدراسة في بعض المناطق جراء ندرة السائقين، وكذلك خلو بعض المناطق من الخبز بل والأكثر سخرية هو خبرهم المتعلق بتوجه جملة من الموظفين لأعمالهم بدون ارتداء أشمغة لتوقف محلات غسيل وكي الملابس. وزارة العمل عليها أن تعي جيداً أن المواطن قد راهن على أن عملية التطبيق لقرارها التصحيحي ستصحبه إجراءات وقائية وحلول بديلة للانعكاسات السلبية لقرار التصحيح على الحياة اليومية للمواطن ونوعية الخدمات المقدمة له ولكن ذلك لم يتحقق منه شيء إلى حينه. كما عليها أن تعي أيضاً أن المخرج الذي أوجدته لنفسها والمتعلق بكونها قد أعطت فرصة ومهلة زمنية لعملية التصحيح، هو أمر لا يعني المواطن من قريب أو بعيد بل، ولا يشكل له أي اهتمام – وهذا أمر طبيعي لدى كافة شعوب العالم- فهو -أي المواطن- معني فقط بتدبير أمور معيشته وعدم انقطاع الخدمات النوعية المقدمة له. ولذا فوزارة العمل مطالبة مستقبلاً عند توفر النية لديها لتطبيق قرارات مصيرية أو مماثلة تتعلق بحياة المواطن السعودي ومعيشته اليومية، أن تتحلى برؤية استشرافية قائمة على قراءة الواقع المعيشي للمواطن. وأن تصاحب عمليات التطبيق هذه دوما حلول ابتكارية ومعالجات وقائية لكل ما ينشأ من إشكالات بما فيها توفير بدائل للعناصر البشرية والمادية، بما يضمن عدم تأثر المواطن ومعيشته سلباً بهكذا قرارات وليكن ديدنها على الدوام: المواطن أولاً.