نتبادل عادة الأحاديث عن الماضي بشيء من التشويق، فنتذكر أيام المدرسة، الحارة، الجيران، ونسردها بكل تفاصيلها وبأسلوب شيق، كذلك نتذكر ما مرَّ بنا من مواقف خلال أعوام مضت، وننقلها لأصدقائنا أو أبنائنا، ونشعر بالسعادة أحياناً وبألم أحياناً أخرى. تعود بنا الذاكرة قليلاً لتلك المواقف التي مرت بحياتنا، وكيف كان وضعنا في تلك الفترة، سواء النفسي أو الاجتماعي؟.. ننظر لتصرفاتنا في تعاطينا مع هذه المواقف، ونشد من أزر أنفسنا أحياناً، ونلومها أحياناً.. ننظر لهذه المواقف، ونجد ما كان كبيراً خلال تلك الفترة، وكاد يسبب لنا أزمة في حياتنا، أصبح الآن لا يساوي شيئاً، إما بفعل تصرفنا الجيد معها أو بفعل الزمن، الذي يتكفل بحل مشكلات كثيرة في حياتنا. نتذكر الأشخاص الذين سببوا لنا أزمات، ونتذكر شعورنا تجاههم في تلك اللحظات، سواء في لحظات الخصام أو الألم، ونجد أن ما نكنه لهم من غضب وكره قد تلاشى مع الوقت، لأننا لم نحصر أنفسنا في دائرة الحقد، ونظرنا إلى الأمام وتركناهم وسرنا.. وسَّعنا دائرة حياتنا ونظرنا للحياة بنظرة شمولية، ووجدنا الطيبين، أصحاب القلوب البيضاء، وسوف نجد مزيداً منهم، طالما بعدنا عن القلوب الحاقدة والمريضة التي حصرت أنفسها بهذه الدائرة، وأصبحت تغذي فكرها وقلبها بما فعل فلان قبل عشرين عاماً، وأصبحت تذكر نفسها بشكل يومي بهذه الأفعال، وحجزت مساحات من عقلها وقلبها للكيد لهذا والمكر بذاك، لو وفَّروها لعمل صالح وفكر نظيف لأصبحوا من أفضل الناس، ووجدوا أنفسهم محاطين بمجموعة من الحاقدين، من أبناء أو أصدقاء، هم نتاج فكرهم المريض. إن النظرة الشمولية للحياة وعدم حصرها في موقف معين أو بيئة معينة، ونسيان الإساءة، جزء من تربية النفس على عدم حمل الحقد والضغينة لأي شخص، وإجبار الآخر على التعامل معك حسب تربيتك أنت، وعدم الانزلاق لأسالبيه، لأنها سوف تسيء لك قبل أن تسيء إليه. علينا فقط تعويد أنفسنا أن نضع المواقف السلبية الماضية خلفنا وننظر للأمام، فالحياة جميلة.