كتبتُ في صحيفة الشرق في عددها رقم 497 مقالاً بعنوان: نِصْفُ مُشْكِلاتِنَا يُعَالِجُهَا تَطْبِيقُ نِظَامُ الإِقَامَةِ والعَمَل فقلتُ: «فنظامُ الإقامة والعمل لو أُحْسِنَ تطبيقُه لكانَ عمادَ النظام الأمنيِّ والاقتصاديِّ والاجتماعيِّ لبلادنا، ولخفَّتْ أو تلاشت بتطويره وتطبيقه نصفُ مشكلاتنا الأمنيَّة والاجتماعيَّة والخدميَّة والتنمويَّة والاقتصاديَّة»، وتابعتُ موضِّحاً: «وُضِعَ نظامُ الإقامة والعمل في بلادنا لحماية الوافدِ والمواطنِ والوطنِ من تعدِّي بعضهم على بعض، ولأهدافٍ اقتصاديَّة واجتماعيَّة وأمنيَّة، ولكنَّه مع الأسف نظامٌ ذو ثغرات، وعُطِّلتْ بعضُ مواده عن التطبيق تعطيلاً مقصوداً في معظمه؛ ممَّا جعل الوافدين لبلادنا يظنُّون بل ويجزمون لحينٍ أنَّها بلا أنظمة لحماية الوطن والمواطن منهم فضلاً عن حماية حقوقهم؛ لما يرونه من كثرة المخالفين لنظام الإقامة والعمل من المتخلِّفين والمتسلِّلين والهاربين من مواقع أعمالهم؛ لذلك يبصِّرون بعضهم بالثغرات وبأساليب ووسائل التحايل والالتفاف على نظام الإقامة والعمل، بل إنَّ كثيراً من المواطنين يدفعونهم لذلك وييسِّرونه لهم»، وتساءلتُ: «ماذا يتطلَّب تطبيقُ نظام الإقامة والعمل في بلادنا؟!، وهل الجهات المعنيَّة فيها عاجزة في كوادرها البشريَّة وإمكاناتها عن التطبيق؟!، وأجبتُ: «لا يحتاجُ ذلك إلاَّ إلى الحزم في التطبيق والصرامة في الردع للمخالفين وافدين ومواطنين، والتشديد بعقوباتهم وغرامات مخالفاتهم بحدودها العليا، ومصادرة ما يوجد بحوزة المخالف من مال ومواد، والسجن لفترات رادعة، وذلك يتطلَّب جهداً مخطَّطاً بتكثيف لجان التفتيش ودوريَّاته العلنيَّة والسريَّة، حتَّى لو تطلَّب الأمرُ الاستعانة مؤقَّتاً بجهاتٍ أمنيَّة كالحرس الوطنيِّ». استدعيتُ هذا الجزء الطويل من مقالٍ سابق لا لأدَّعي أنَّني أنا الذي نبَّهتُ لذلك ولكن لأقارن بين ظرفين بينهما ستة أشهر فقط عارضاً المنجزات الوطنيَّة في هذا المجال، فبحسب تقارير إعلاميَّة صرَّح وكيلُ وزارة العمل للشؤون العماليَّة أحمد الحميدان أنَّ الوزارة أنهتْ تغيير مهنة 1.958.000 عامل، ونقل خدمات 2.087.000 عامل، وأكَّد الناطقُ الرسميُّ للجوازات المقدَّم أحمد اللحيدان مغادرة أكثر من 900.000 وافد بتأشيرة خروج نهائي حتى العشرين من شهر ذي الحجَّة. (الشرق عددها 700)، وأحسبها أرقاماً ستتصاعد في شهر محرَّم بالقبض على المخالفين لنظام الإقامة والعمل فترحيلهم حمايةً لسوق العمل وصيانةً لأمن بلادنا، وتؤكِّد هذا أعداد المقبوض عليهم في مختلف مدن المملكة ومناطقها التي تناقلتها صحافتنا المحليَّة في الأيَّام الأولى للمرحلة التفتيشيَّة. منجزات كبيرة فآمال واسعة تدفعني لأطرح ملحوظاتٍ ومقترحاتٍ في هذا المجال لا أحسبها غائبةً عن وزارتي العمل والداخليَّة، بل أجزم أنَّها مؤجَّلةٌ لمرحلة قادمة، ولكنَّ طرحي يأتي لطمأنة المواطنين المتسائلين عنها. توجَّهتْ الحملاتُ التصحيحيَّة القائمة لسوق العمل لضبط المتسلِّلين والمتخلِّفين والمخالفين لنظام الإقامة والعمل والمشغِّلين لهم والناقلين لهم بين أنحاء المملكة، وللتفتيش عن ذوي الإقامات النظاميَّة الباحثين عن العمل بأنفسهم العاملين لدى غير كفلائهم والمنحصرة علاقاتهم بكفلائهم بدفع إتاوات شهريَّة فقط دون معرفتهم أين عملوا وما عملوا وما اكتسبوه وغير ذلك ممَّا يتطلَّبه نظامُ العمل ويعرفه العامل والكفيل والمواطن المشغِّل لهم، وأحسب هذا جانباً من المشكلة تبيَّن المواطنون فيه نتائج إيجابيَّة من الحملات التصحيحيَّة، إلاَّ أنَّ الجانب الثاني والأهمَّ في مجال توطين الوظائف والأعمال ولم تلامسه الحملات التصحيحيَّة والتفتيشيَّة بعدُ كالتالي: يتستَّرُ مواطنون على وافدين مقيمين بإقامات نظاميَّة يمتلكون محلاَّت يعملون فيها دون أن يكونوا من المستثمرين الأجانب المصرَّح لهم بالاستثمار وفق أنظمته الوطنيَّة، فكثير من المطاعم والصيدليَّات ومحلاَّت إطارات السيَّارات، ومحلاَّت الصيانة الإلكترونيَّة والميكانيكيَّة وورش سمكرة السيَّارات وتجارة قطع الغيار المستعملة، والبقالات وتجارة التمور وغيرها يعمل بها وافدون من جنسيَّات معروفة بطرائق توحي بأنَّهم أصحاب رؤوس الأموال والعمل، يدفعون إتاوات شهريَّة لمواطنين تظهر أسماؤهم بتصاريحها وبسجلاَّتها، مخالفون لنظام العمل يتحكَّمون بسوقه في مجالاتهم أجوراً وتسعيراً وتشغيلاً. لا تسمح الأنظمةُ باستقدام الوافدين أسرَهم إلاَّ من تخصُّصات ومهن محدَّدة، ومع ذلك نجد سبَّاكين وكهربائيِّين وفنيِّ صيانة وعاملين في القرطاسيَّات وسائقي سيَّارات إيصال الوجبات السريعة والمياه الصحيَّة وغيرهم مصطحبين أسرهم، ويجاهر بعضهم بطرائقهم غير النظاميَّة لاستقدامهم أسرَهم ولاستخراج إقاماتهم النظاميَّة. يمتلك وافدون بإقامات نظاميَّة سيَّارات النقل الصغيرة والكبيرة ويعملون على حسابهم متنقِّلين داخل المدن وبين المناطق ويدفعون إتاوات للمتستِّرين عليهم، ويتحكَّمون في سوق العمل أجوراً وتشغيلاً وفق توافقات بينهم كجنسيَّات محدَّدة، ويتكتَّلون ضدَّ المواطنين العاملين في مجال النقل وضدَّ وافدين آخرين يعملون في مؤسَّسات وطنيَّة، ومعظم مشكلات توزيع الإسمنت ومواد البناء المستوردة والمحليَّة تظهر لتحكُّم أولئك بسوق العمل وبتجارة التجزئة. يعمل وافدون نظاميُّون استقداماً وإقاماتٍ في شركات النظافة في المدارس والجامعات والمستشفيات وفي البلديَّات في شوارع مدنها، وحينما ينهون دوامهم في مواقع أعمالهم يتَّجهون لمواقع يعرفها المواطنون ويطلبونهم فيها للقيام بأعمال مختلفة لهم مؤقَّتة أو مستديمة في استراحاتهم ومنازلهم وفي قصور الأفراح والمناسبات، وأولئك أوهموا بأنَّ ذلك نظاميٌّ بموجب عقود معهم اشْتُرِطَ عليهم فيها ألاَّ رواتب أو برواتب متدنِّية جداً لقاء السماح لهم بالعمل بعد الدوام، وقد قبلوا بذلك بحساب أنَّه قد تكون دخولهم اليوميَّة 50 ريالاً فأكثر ليكون الدخل الشهريُّ لعامل النظافة أضعاف راتبه فيما لو أعطي حقَّه دون سماحٍ له بالعمل بعد الدوام، فلينصف أولئك العمَّال النظاميُّون استقداماً وإقامة من شروط شركاتهم في ظلِّ منعهم من العمل بعد الدوام تطبيقاً لنظام العمل. يعمل وافدون استقدامهم نظاميٌّ وإقاماتهم نظاميَّة مقاولين على حسابهم فهم يمتلكون أخشابهم وسيارات نقلها ونقلهم ومطارقهم ومناشيرهم وأدواتهم الأخرى وأوراقاً بأسماء كفلائهم يبرمون فيها عقودهم مع المواطنين، وربَّما استقدم كفلاؤهم من جنسيَّاتهم من يعينهم في مهن تتطلَّبها مقاولاتهم، أو يترك لهم استئجار الهاربين من مؤسَّساتهم، وعلاقات أولئك بكفلائهم لا تتجاوز توقيعهم على العقود ودفع الإتاوات الشهريَّة لهم، ولا شكَّ أنَّ المواطنين متضرِّرون منهم في مساكنهم غير المتوافقة مع أصول المهنة والهندسة، بل وتتضرَّر مؤسَّساتُ المقاولات المعماريَّة الوطنيَّة من منافساتهم السعريَّة، ومن هروب عمالها وفنيِّيها للعمل معهم. تلك وجوانب أخرى يؤمِّل المواطنون أن تتناولها الحملات التصحيحيَّة مقدِّرين النتائج الإيجابيَّة المتحقِّقة بجهود وزارتي الداخليَّة والعمل من حملاتها القائمة.