ربَّما يُدهِشُ عنوانُ مقالتي قرَّاءَها، وقد يصرفهم عنها، فليقرؤوها ولْيُعلِّقوا رؤاهم وأفكارهم مهما كانت، فنظامُ الإقامة والعمل لو أُحْسِنَ تطبيقُه لكانَ عمادَ النظام الأمنيِّ والاقتصاديِّ والاجتماعيِّ لبلادنا، ولخفَّتْ بتطويره وتطبيقه نصفُ مشكلاتنا الأمنيَّة والاجتماعيَّة والخدميَّة والتنمويَّة والاقتصاديَّة، وقد يتلاشى معظمُها، ومن هذا الاعتبار صغتُ العنوانَ أعلاه. وُضِعَ نظامُ الإقامة والعمل في بلادنا لحماية الوافدِ والمواطنِ والوطنِ من تعدِّي بعضهم على بعض، ولأهدافٍ اقتصاديَّة واجتماعيَّة وأمنيَّة، ولكنَّه مع الأسف نظامٌ ذو ثغرات، وعُطِّلتْ بعضُ مواده عن التطبيق تعطيلاً مقصوداً في معظمه؛ ممَّا جعل الوافدين لبلادنا يظنُّون بل ويجزمون لحينٍ أنَّها بلا أنظمة لحماية الوطن والمواطن منهم فضلاً عن حماية حقوقهم؛ لما يرونه من كثرة المخالفين لنظام الإقامة والعمل من المتخلِّفين والمتسلِّلين والهاربين من مواقع أعمالهم؛ لذلك يبصِّرون بعضهم بالثغرات وبأساليب ووسائل التحايل والالتفاف على نظام الإقامة والعمل، بل إنَّ كثيراً من المواطنين يدفعونهم لذلك وييسِّرونه لهم، فلْنُلْقِ الأضواءَ على واقع نظام الإقامة والعمل في بلادنا لنتعرَّف على مخالفاته ونتائجها وآثارها، ولنزحْها نظريّاً ولنتأمَّل مستقبل الوطن بإزاحتها، وليكن ذلك في ضوء العنوان أعلاه ومن خلال الآتي: 1. تستخرج إقاماتُ وافدين ورخصُ عمل لهم بمهن استقدموا لها فيعملون بغيرها مرغمين أو برضاهم وبمعرفة كفلائهم. 2. يتخلَّف حجَّاجٌ ومعتمرون، ويتسلَّل آخرون إلى بلادنا، ويتنقَّل الجميع بين مناطقها دون إقامات ويعملون فيها دون عقود عمل، وييسِّر لهم التنقُّل مواطنون ويشغِّلهم آخرون متستِّرون. 3. يستقدم عمالٌ للعمل بمهن لا تجيز لهم الأنظمةُ استقدامَ عائلاتهم فيستقدمونها وتستخرج إقاماتهم بميسِّراتٍ غير نظاميَّة. 4. يتاجر مواطنون بآلاف التأشيرات، وتزوِّر مؤسَّساتٌ وطنيَّة توظيف المواطنين لاستخراجها. 5. يمتلك وافدون ورشاً ومحلاَّت ذهب ومواد غذائيَّة ومطاعم وصيدليَّات ومحلاَّت إطارات السيَّارات وزيناتها تحتَ مظلَّة التستُّر، ويشغِّلون أبناء جنسيَّاتهم المتسلِّلين والمتخلِّفين، محلاَّت برؤوس أموال تفوق القدرات الماليَّة للوافدين وللمتستِّرين عليهم، وأخشى ما يُخْشَى أنَّ هناك غسيل أموال أو تمويلاً غير مشروع من جهاتٍ مشبوهة. 6. يَستقدمونهم للعمل في نظافة المدارس والمستشفيات وغيرها، ويتوافقون معهم على العمل بعد نهاية الدوام بأيِّ أعمالٍ متاحة مقابل تخفيض رواتبهم أو عدم دفعها لهم. 7. يؤجِّر وافدون الهاربين من كفلائهم من الخادمات المنزليَّات والعمالة وبإعلانات تكشف هواتفهم ومواقعهم، وتضيع حقوق المواطنين الكفلاء بل ويطالَبُون نظاماً بترحيلهم حين القبض عليهم مخالفين. 8. يتكتَّل وافدون ببعض المهن والخدمات ومحلات التجزئة لمحاربة تشغيل المواطنين ولاحتكار الأسعار والأجور. 9. يتجاوز مندوبو المبيعات ومعظمهم وافدون محلاَّتٍ لمواطنين أو يعملون فيها إلى محلاَّت يعمل فيها وافدون من جنسيَّاتهم وبخاصَّة المتستَّر عليهم، ويقدِّمون مواد مبيعاتهم باسم المحلِّ وباسم البائع الذي يبيع نصيبه أولاً ليعاد نصيبُ المحلِّ رجيعاً. 10. تمارس التَّستُّرَ شركاتٌ كبرى مشغِّلةً الهاربين من كفلائهم بأجور أكبر ودون عقود، موفِّرةً رسوم استقدامهم وإقامتهم ورخص العمل وتذاكر ترحيلهم، وتخفيهم في مواقع أعمالها ومعسكراتها البعيدة عن التفتيش أو التي لا يُسمح بتفتيشها. 11. ينحاز أطبَّاء وممرِّضون لأبناء جنسيَّاتهم فيعالجونهم ويمرِّضونهم ويمدُّونهم بالأدوية مخالفين نظام الإقامة وما يتَّصل به من أنظمةٍ أخرى؛ ممَّا يضرُّ بالمواطنين فرصاً ومواعيد ومستوى خدمات صحيَّة. تلك أبرز مخالفات نظام الإقامة والعمل لا كلّها، وأجزم أنَّ المواطنين يدركون نتائجها وآثارها، وحين يتأمَّلونها يتمنَّون اختفاءها، ولكن هناك نسبةً من المتأمِّلين سيتناسونها بانتهاء تأمُّلاتهم عائدين للواقع الميدانيِّ ليتستَّروا ولينقلوا متخلِّفين ومخالفين وليشغِّلوا وافدين دون معرفة كفلائهم، فيا ليتَ أولئك يعرفون أنَّهم طرف في مخالفات نظام الإقامة والعمل، وأنَّهم الحلُّ في جانبها الأكبر، فلاشكَّ في أنَّهم يعلمون أنَّ معظم الوافدين المخالفين لا يأبهون بأنظمة البلاد ولا يراعون عاداتها وقيمها الدينيَّة والاجتماعيَّة، وأبرز نتائج وآثار مخالفات نظام الإقامة والعمل الآتي: 1. أنَّهم يزوِّرون أو تزوَّر لهم إقاماتهم وعقود أعمالهم، ويحاربون السعودة الهادفة لتقليل أعدادهم لمعالجة البطالة، ويجدون مواطنين يخونون الوطن بذلك. 2. أنَّ من أولئك مهرِّبي مخدِّرات وأسلحة ومصنِّعي مسكرات ومروِّجين وموزِّعين لها، وناشرين للدعارة وأمراضها بين المواطنين. 3. أنَّ بعضهم يمارس السرقات والاختلاسات والرشاوى، ويحفزون بعضَهم والخادمات المنزليَّات على الهروب ويخطِّطون لهم ولهنَّ ذلك، ويؤمِّنون لهنَّ ولهم السكن في الأحياء العشوائيَّة ويؤجِّرونهم على المواطنين. 4. أنَّ منهم من يعتدي على المواطنين وعلى بعضهم اعتداءات تصل لحدِّ القتل، ويحتمون بالجبال وبالأحياء العشوائيَّة. 5. يحوِّلون المليارات لأوطانهم ويسهمون في غسيل الأموال، ويموَّلون من جهات خارجيَّة مشبوهة. 6. يتحكَّمون في الأجور والأسعار فيرهقون المواطنين وترتفع نسب التَّضخم في الاقتصاد السعوديِّ. 7. ينفِّذون أعمالاً وخدماتٍ لا يجيدونها بمواصفاتها فيتسبَّبون في خسارة المواطن والوطن. 8. يزاحمون المواطنين في ورش ومحلاَّت ومطاعم وغيرها تحتَ مظلَّة التستُّر. 9. يسوِّق بعضهم مواد غذائيَّة منتهية الصلاحيَّة مزوِّرين تواريخها ناشرين سمومها في وجبات المطاعم متعاونين مع عمَّالها. ماذا يتطلَّب تطبيقُ نظام الإقامة والعمل في بلادنا؟! وهل الجهات المعنيَّة فيها عاجزة في كوادرها البشريَّة وإمكاناتها عن التطبيق؟! لا يحتاجُ ذلك إلاَّ إلى الحزم في التطبيق والصرامة في الردع للمخالفين وافدين ومواطنين، والتشديد في عقوباتهم وغرامات مخالفاتهم بحدودها العليا، ومصادرة ما يوجد بحوزة المخالف من مال ومواد، والسجن لفترات رادعة، وذلك يتطلَّب جهداً مخطَّطاً بتكثيف لجان التفتيش ودوريَّاته العلنيَّة والسريَّة، حتَّى لو تطلَّب الأمرُ الاستعانة مؤقَّتاً بجهاتٍ أمنيَّة كالحرس الوطنيِّ، والأمل ألاَّ يُعاق التطبيقُ بطروحات تنظيريَّة تنادي بحقوق الإنسان، أو بإسباق الحملات التفتيشيَّة بتحذيرات واستثناءات ممَّا جرِّب على مدى العقود السابقة دون جدوى، فحتَّى الدول المتقدِّمة لو تراخت في تطبيق أنظمتها لعاث المخالفون لها فساداً فيها، وتكفي الثلاثة أشهر التي أتاحها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لتصحيح أوضاعهم انطلاقاً من أنَّ النظام والمواطن والوافد شركاء في بعض مخالفات نظام الإقامة والعمل.