في فصل من فصول كتابها «الجبروت والجبار»، تحدثت مادلين أولبرايت عمَّا أسمته ب «المعضلة السعودية»، وكيف أن السعودية التي قفزت إلى العالم الجديد بشكل فجائي واستثنائي، تعيش الآن حائرة بين رغبتها في التقدم ورغبتها في أن تُبقي على تلك البيئة التي عاش فيها المسلمون الأوائل قبل 1400 عام، وكأنه ينبغي على السعودية أن تدفع ثمن مكانتها الدينية بهذه الطريقة. من الداخل السعودي، قد يتم النظر إلى هذه المعضلة على أنها صراع بين تيارين، بينما هي في المقام الأول أزمة وعي عميقة يتصارع فيها الوعي الذاتي مع الوعي الموضوعي، فبينما يجنح الوعي الذاتي المرتبك والمأزوم إلى النظر للماضي باعتباره النمط المثالي الذي يسعى دوماً لإعادة إنتاجه وفرضه على المجتمع عن طريق كبح التغيرات ومحاولة استجلاب القيود التي تساعده على التراجع إلى الخلف؛ نجد على الطرف النقيض أن الوعي الموضوعي على صلة أكبر بالعصر الذي نعيش فيه الآن، وأكثر قدرة على التعاطي مع متغيراته دون أن يشكل ذلك قطيعة تامة مع الماضي، بحيث يبقى الماضي حاضراً ولكن بشكل أقل تصادماً مع الواقع والحياة الراهنة. ومن خلال الحراك المجتمعي في السعودية، يظهر أن الوعي الذاتي المرتبك يتلبس دائماً لبوس الوعي الجماعي، بحيث يبدو وكأنه الوعي الغالب والمسيطر؛ ولكن على أرض الواقع، يبدو أن الوعي الموضوعي الحر، والأكثر انفتاحاً على العصر وعلى الآخر، في طريقه لأن يبسط نفوذه على غالبية المجتمع، على الرغم من الصعوبات التي لا يزال يواجهها حتى الآن، خصوصاً إذا ما علمنا أن تأثير العاطفة الدينية والحنين التاريخي إلى الماضي لا يزال حاضراً؛ ولكن مع بروز نخب ثقافية جديدة، ومع الاتساع الواضح في أفق الانفتاح والتبادل الثقافي مع الآخر، يتأكد لنا أن نجاح وانتشار الوعي الموضوعي ليس إلا مسألة وقت، لأنه، باختصار، سيكون الوعي المرن والملائم الذي يعالج قضايا الواقع الراهن دون أن يضع الفرد في مأزق الصدام بين الماضي والحاضر.