للمرة الألف نقول شكراً لذلك الاختراع العظيم المسمى الإنترنت، شكراً للسيد المبجل «يوتيوب» والسيد المحترم «تويتر» و«فيسبوك» وسائر أفراد الأسرة الكريمة الذين كشفوا عوراتنا و فتحوا ستائر غرف أفكارنا المغلقة وجعلونا نقف وجهاً لوجه أمام عللنا وأمراضنا المزمنة التي بقينا دهراً نداريها وننكرها ونقلل من شأنها. التسجيلات المتداولة على الشبكة العنكبوتية لواقعة التحرش في الشرقية ولوقائع تعذيب العمال وضربهم والسخرية منهم، ليست -مع الأسف- حوادث فردية كما يحاول بعضهم تصويرها، وليست وليدة ثقافة طارئة أود خيلة على مجتمعنا. إنها -إن شئنا الدقة- تعبير عفوي وعصري عن موروثات ومخزونات قديمة متراكمة ولكن فضحها التوثيق والنشر الإلكتروني. ثمة عاملان يجمعان بين واقعة التحرش ومثيلاتها من جهة، ووقائع تعذيب العمال من جهة أخرى، العامل الأول هو ثقافة استضعاف الطرف الآخر وعدم الاعتراف بحقوقة، ولتوضيح المعنى شاهد التعليقات وردود الفعل الواردة على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في الحوارات المباشرة، ففي ما يخص التحرش تجد من ينتقد الضحايا من الفتيات لأنهن (جرحن عفة الشباب) أو (استفززنهم بحركاتهن) في محاولة غير مباشرة لتبرير الجريمة أخلاقياً. وستجد كذلك من ينتقد الإساءة إلى العمال لكنه يستدرك بقوله: (لكن لا تنسى أن فيهم مجرمين) و (أنهم أكلوا خير البلد) وكأن ذلك القول مبرر نفسي يشعره بارتياح الضمير. لا يمكنك أن تنكر أنك أيضاً قد تشعر في بعض الأوقات بذات الشعور بل إن بعض الكتاب أعلنوا صراحة مطالباتهم المسؤولين بعقوبات ترحيل جماعية لجنسيات بعينها من العمال ارتكب بعض أفرادها مخالفات قانونية. هذا الاستخفاف بآدمية الطرف الآخر سواء كان امرأة أو عاملا ضعيفا ليس وليد اللحظة بل هو نتاج ثقافة تراكمت لآلاف السنين منذ قال الشاعر المبجل عمرو بن كلثوم: ونشرب إن وردنا الماء صفواً *** ويشرب غيرنا كدراً وطينا ثقافة الفخر بالذات والعصبية القبلية واحتقار الآخر المختلف في اللون والجنس والقبيلة ليست شيئاً فردياً أو طارئاً، كما أن قهر البنات ومحاربة تعليمهن ومنعهن الميراث والقول بأنهن لا يصلحن إلا للبيت وتربية الأولاد، ثقافة مجتمعية سائدة نسبغ عليها غطاء شرعياً ونداريها ببعض المساحيق لتخفيف قبحها. ما فعله الشباب في مقاطع الفيديو؛ تعبير مباشر عما يؤمنون به وما رباهم المجتمع وشجعهم عليه، والفرق الوحيد بينهم و بين كثير من باقي أفراد المجتمع ليس في الأفكار والمبادئ ولكن في الجرأة على التنفيذ! وللحديث بقية في الأسبوع القادم.