لم تقتصر ظاهرة العنف ضد العمالة الأجنبية في مجتمعنا على مستوى استخدام الأفراد والأُسر للسائقين والعاملات المنزليات، بل تتعدى إلى أصعدة أخرى، فقد رصدت كاميرا أحد الوافدين مقطع فيديو قام بنشره على موقع يوتيوب، كان يصور مشهداً لأحد منسوبي الجوازات، وهو يطرد العمالة بأداة غير واضحة تماماً في يده، ويبدو أنه «حزام»، كان مشهداً مخزياً، فقد كان سوء ذلك التعامل يعكس مدى الاستعلاء الذي يمارسه ذلك الشخص، مستغلاً ضعف هؤلاء الذين تركوا ديارهم وأهاليهم بحثاً وراء لقمة العيش، وربما أن ما خفي كان أعظم. وبغض النظر عن الجوازات كجهة، ولكن بشكل عام لم تكن سلوكيات الاستعباد تجاه العمال وليدة اللحظة، إنما قد سنت أوروبا تشريعات قانونية للحد من ظواهرها الناتجة عن التحول الصناعي آنذاك، بعد أن كان العمال يعانون من أشد أنواع الإذلال والإهانة، ونشأ من ذلك أحزاب العمال التي ساعدت في توجيه سياسات بعض الدول إلى الإقرار بحقوقهم والقيام عليها، بل تعدى ذلك إلى إبراز دورها الحيوي، كحق التداوي والتعليم، إضافة إلى عيد سنوي سموه «عيد العمال» أو «عيد الشغل»، ويذكر أنه قبل شهر من اليوم، على سبيل المثال، ذلك الذي نظمته جبهة الإئتلاف الشعبية في تونس في مطلع شهر أيار (مايو) الماضي لتجمع ضم المئات من العمال والقيادات السياسية والعمالية أمام مقر الاتحاد للشغل بالعاصمة لإحياء هذه الذكرى السنوية في اليوم العالمي للعمال، وكذلك حدث في مصر وغيرها. من المؤسف أن الكثير من العمالة لدينا مجبرون على تقديم التنازلات لأنهم لا يجدون طريقة للإنصاف، غير أن هذا التنازل لا يجبرهم على الصبر عليه إلا الحاجة، ومن المؤسف أيضاً أن تلك الصور التي سادت في العصور المظلمة لا تزال تتمثل في تعاملاتنا، ونحن من أهم الدول التي تتحدث عن الإسلام وأخلاقه، فليس التصدي لمثل هذه السلوكيات يقتصر على الوعظ والنصائح، إنما بالإلزام القانوني، وربما يقول البعض إن هذه سلوكيات فردية ولكن هذا المنسوب يحرج جهته والعبرة في عقابه، ولو كان لم يأمن العقوبة لما استطاع أن يسيء الأدب. يمكن القول إن الشعور بالذاتية والفوقية والأفضلية ليست لشيء سوى أن الكثير لا يتقبل وجود الآخرين في بلادنا، غير أن السلوكيات التي تتمثل في احتقار الأجانب والاستعلاء عليهم والسخرية من ثقافاتهم وأساليب حياتهم من الظواهر التي يمكن لنا أن نلاحظها، وغير ذلك، فموقع «يوتيوب» مليء بالكثير من المقاطع التي تعكس لنا أبشع أشكال العنف ضد الأجنبي، وإن كنا سنلوم على المراهقين وضعاف النفوس الذين يعاملون الأجانب تعاملاً سيئاً في الأماكن العامة أو الخاصة ويتباهون أكثر بتصوير أفعالهم، فإننا سنلوم أكثر على رجل مكلف وبالغ يمثل جهة رسمية ويسيء إلى سمعتها، ولعلنا نسمع في القريب خبراً عن الإجراء الذي يفترض أن تتخذه جهته حيال تصرفه المشين تعبيراً عن رفضها لمثل هذه الممارسات. نحن بحاجة إلى ترسيخ العدل والرحمة إذا كنا نتحدث عن الإسلام وعدله وأخلاقياته، ونرى أنه سر تميزنا، فإن الإسلام ليس ديناً نكتفي بالحديث عنه، لأنه يريد من معتنقيه أن يطبقوه ليقيموا المساواة بين الناس لأجل كرامتهم، وهذا أكبر بكثير من أن يوضع على الرفوف بلا عمل إنساني. [email protected] @alshehri_maha