ما الذي يجري لمجتمعنا الآن من ناحية الاهتمامات وما يشد الناس، وبالأخص الشباب؟ إعلامياً، ما يُطرح في محطات التليفزيون «عديد منها مملوك لسعوديين» موجه في الغالب للترفيه، وبرامج مستنسخة بحذافيرها من المحطات الغربية، برامج مواهب وأغانٍ ترى فيها أقل القليل من المواهب الحقيقية، بينما الأكثرية الساحقة ليسوا أكثر من باحثين عن الشهرة بأي طريقة، وهم لا يعدون أن يكونوا مهرجين من الدرجة العاشرة. أتفق أن الأجيال تتغير والذوق العام غير ثابت، لكن على الأقل في الغرب نجد فئة كبيرة من الجيل الجديد تهتم بدراستها وبعملها ولا بأس من الترفيه من وقت لآخر. ترى هل كانت نظرة آبائنا لاهتماماتنا أيام المراهقة نفس نظرتنا لأبنائنا؟. حتى لو، الوضع الحالي لشبابنا لا يبشر بخير حقيقة، وأرجو أن أكون مخطئاً. حاوِلوا أن تفتحوا الراديو في الصباح أو أي وقت آخر واستمِعوا إلى مستوى نقاش المذيعين ومعهم زميلاتهم المذيعات، وأنصِتوا للمستمعين. هل تتعمد المحطات بث هذا المستوى من الحوارات التي أقل ما أستطيع وصفها به هو السطحية؟، هل هذه العينة تمثل مجتمعنا، أم أن هذا ما يريد مالكو المحطات نشره «ربما ما يرغبه الجمهور». أذكر محطة أرامكو الإذاعية التي ما زالت تبث إلى الآن أغاني أجنبية طوال اليوم يتخللها فقرات بسيطة جداً تتكلم عن أشهر المطربين، ورسائل توعية من المذيعين والمطربين تتعلق بالسلامة في المنزل والسيارة. الآن لم تكتفِ الإذاعات بوضع مذيع يتكلم في أي موضوع يختاره يومياً، بل دفع التنافس مع فتح المجال لعدد أكبر من المحطات الإذاعية إلى وضع ما يصل أحياناً إلى 4 مذيعين في جلسة واحدة يواصلون التحدث «والسواليف» بلا معنى لساعات، وإذا أرادوا توصيل فكرة أنهم يناقشون مواضيع مهمة تساهم في تطوير ثقافة المستمعين فهم لا يتجاوزون النقاش في الأمور السطحية، وبلا مضمون، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. نعم، يوجد قليل من البرامج التي تستمتع بمتابعتها، وخصوصاً إذا كان المذيع (ة) ذا خبرة سابقة وتم استقطابه من وسيلة إعلامية أخرى، لكنها تبقى استثناء. كم أتحسر عند مقارنة ما يذاع الآن في محطاتنا وما يذاع في أكثر من محطة خليجية من التي يصل بثها إلى المنطقة الشرقية من السعودية. من جهة أخرى، ما هي اهتمامات شبابنا بعد انتهائهم من المدرسة/ الجامعة؟ أكثرهم نجدهم بين الألعاب الإلكترونية أو مباريات الكرة، وجلسة يومية في الاستراحة، الترفيه عن النفس مطلوب فالجسد والروح يتعبان ويحتاجان وقتاً مستقطعاً بعيداً عن الهموم وأعباء الحياة العملية، لكن لا يجب أن يطغى هذا على الواجبات وتصبح حياتنا فسحة طويلة يتخللها بعض الإنجازات. استغلال أوقات الراحة هذه يفترض أن يكون على نحوٍ يساعد في تخفيف الضغط على الفرد، وفي نفس الوقت تطوير مهاراته الأخرى. أين الرياضة المفيدة لصحتنا وأين القراءة في مختلف العلوم، وأين الاهتمام بالفن الأصيل؟. هذا في وقت أصبح هذان الشيئان متوفرين وبشكل أكبر بكثير مقارنة بجيلنا وسط تطوير ساحات ألعاب بلدية في أغلب المدن الرئيسة وامتلاك صغارنا أجهزة الاتصال الحديثة المرتبطة بالإنترنت. بين الماضي الذي كان الصغار يتمنون فيه أن يصبحوا مهندسين وأطباء واليوم الذي يتوقون فيه لأن يصبحوا لاعبي كرة أو مطربين.. فجوة كبيرة وينبغي علينا المساهمة في إصلاحها. إننا نتكلم عن مستقبل أبنائنا الذين مهما حاولنا حمايتهم وبناءهم لغد أفضل فإنهم ما زالوا جزءاً من المجتمع وسيتأثرون بمحيطهم. من المسؤول عن ما يجري؟ هل هناك مراكز بحثية تدرس مثل هذه التطورات الاجتماعية وتوصل نتائجها إلى أصحاب القرار؟، هل نترك الوضع كما هو عليه ونتجه لطريق لا يعلمه إلا الله؟. إذا كان القطاع الخاص يجري وراء الربح، ولتحقيقه يعرض برامج سطحية لا تساهم في بناء مجتمع، فما الضير أن تتصدى الحكومة لتشجيع المواهب الحقيقية، هل من الصعب التخطيط لبرامج تليفزيونية بميزانية لا بأس بها «بضعة ملايين» تستهدف إبراز مواهب الشباب في الاختراعات والتأليف والخطابة؟، مع منح جوائز مادية تغري الشباب بمتابعتها والتنافس للدخول فيها. لم يفت الأوان بعد «أتمنى ذلك».