تجاوزت الثمانين عاماً بقليل.. تبدو منهكة وهدَّها التعب.. فاتخذت لنفسها مكاناً قصياً وأراحت بدنها المتعب.. نامت وكأنها تستريح في بيتها وقت القيلولة.. وكأن ملائكة هبطوا من السماء ليحموها و«يهدهدوا» عليها.. هي أم أيمن الحاجة السورية التي وجدت نفسها عند عمود قريب من جسر الجمرات، ورفضت أن تتزحزح منه، ورغم منع الافتراش في تلك المواقع إلا أن رجال الأمن فشلوا في نقلها. وبدلاً من ذلك، قاموا بعمل طوق أمني لحراستها لو حدث أي زحام في مقبل الأيام.. .. وهي سعيدة بإكمال النسك جهَّزت عدستي لالتقاط صور عفوية للحاجة، وانتظرت أن تفيق لأعرف قصتها، وما هي إلا لحظات حتى استيقظت الحاجة، وأخذت تقول: الله يحمي الشباب، وإذا بها تذرف الدموع على وطنها الحبيب؛ إذ إنها من سوريا العزيزة، وأخذت تدعو الله في هذه البقاع المقدسة أن يحمي الشباب، وأن ينقذ سوريا. وبعد برهة صمت، سألتها: لماذا تجلسين هنا، في هذا الموقع الخطر؟ قالت: رجال الأمن «هاذول» -وتشير إليهم في موقع الجسر- هم من يحمونني، هم أولادي ولا خوف. وأضافت: أنا كبيرة في السن وليس معي أحد، وأولادي في سوريا يدافعون عن بلادهم ويحافظون عليها. ورفعت يديها إلى السماء وراحت تدعو لأولادها، وخاصة ابنها محمد الأوسط الذي قالت عنه: «ربي يخلي ابني محمد» الذي سهَّل لي كل إجراءاتي وجئت إلى هذه البقاع مع حملة للحج، وزادت: أحمد الله أني وقفت بعرفة ورميت جمرة العقبة، والحمد لله انتهيت قبل قليل من رمي الجمرات الثلاث، ويتبقى يومان. وقالت: أنا لا أستطيع الذهاب إلى موقع الحملة، وفي نفس الوقت لا أريد أن أوكل أحداً عني في الرمي، «وأنا قد عزمت» أن أرمي الجمرات بنفسي، لذلك اتخذت من هذا الموقع مكاناً لي حتى أنتهي من رمي جميع الجمرات خلال أيام التشريق. أما عن الطعام، فتقول: معي كيس به بعض الطعام أقتات منه، ولا ينقصني شيء والحمد لله. وقالت: سوف أعود إلى حملتي فور انتهاء حجي بإذن الله، ثم راحت تنهمك في الدعاء لسوريا وأهلها وشعبها بانتهاء المحنة.