أحمد معمور العسيري صادف يوم الأحد الماضي الذكرى الأربعين لمناسبة عزيزة على قلب كل مصري وعربي.. ألا وهي ذكرى حرب 6 أكتوبر الانتصار الوحيد للعرب على إسرائيل ، وأرى مصر كلها تحتفل بالمناسبة العظيمة، ناسبة الفضل كله لنفسها.. وهي ناسية (أو متناسية)!! من هو البطل الحقيقي وراء هذه الحرب!! ففي رمضان1393ه/أكتوبر1973م اندلعت حرب ضارية، شنتها مصر وسوريا ضد العدو الإسرائيلي، وكان للملك فيصل بن عبدالعزيز دور فريد ومشرف في هذه الحرب، فقد كان بطلاً من أكبر أبطال هذه المعركة، فلم تدخل الدولتان في هذه الحرب أصلاً، إلا بعد أن وعدها الفيصل بالدعم المطلق على كل المستويات، وفتح لهما خزائن الدولة، ومع بدء المعركة كتب إلى السادات رئيس مصر: (نؤكد لكم بأننا إلى جانبكم بجميع إمكانياتنا، داعين للجيش المصري بالنصر والتأييد)، ودارت المعركة، ووقف الفيصل عملاقاً هائلاً، كأنه في غرفة العمليات الحربية. يقول الرئيس السادات عن حرب أكتوبر: (إن فيصلاً هو بطل معركة العبور، وسيحتل الصفحات الأولى من تاريخ جهاد العرب، وهو صاحب الفضل الأول في معركة الزيت، فهو الذي تقدم الصفوف، وأصرَّ على استعمال هذا السلاح الخطير، والعالم ونحن معه مندهشون لجسارته)!! كما فتح خزائن بلاده للدول المحاربة، تأخذ منها ما تشاء لمعركة العبور والكرامة، بل لقد أصدر أوامره إلى ثلاثة من أكبر بنوك العالم، إنّ من حق مصر أن تسحب ما تشاء وبلا حدود من أموال للمعركة). وبفضل هذه المساندة اللا محدودة، حققت مصر وسوريا انتصارات متميزة على إسرائيل، وهذا أول انتصار للعرب على إسرائيل في التاريخ الحديث، وكانوا قد انهزموا أمام إسرائيل قبل هذه المعركة، في ثلاث حروب كبرى، وتحطمت بعد هذا الانتصار أسطورة (إن إسرائيل لا تقهر)! وعلى هذا فسيظل التاريخ يذكر للفيصل دوره الكبير في هذه المعركة، الذي اعترف به الجميع. مع العلم أن شهادة الرئيس السادات موثقة بالفيديو ومتاحة على موقع اليوتيوب لمن يشكك في الأمر، وفي هذه المعركة أصبح النفط سلاحاً خطيراً لأول مرة في التاريخ، فقد قطع الملك فيصل تصدير البترول تماماً إلى الولاياتالمتحدة وهولندا، وهدد بمنعه عن أية دولة أخرى تساند إسرائيل ضد العرب، فكان موقفاً ملأ القلوب بالحماسة والقوة والإيمان، والتزم جميع العرب بتنفيذ قرار الفيصل. وكان صدى قطع البترول مؤثراً للغاية، وعانت منه أمريكا أشدّ المعاناة، وعندما أطلقت أمريكا وغيرها من الدول شائعة عن الاستيلاء بالقوة على منابع النفط في الخليج، كان ردّ الفيصل حاسماً وقوياً، فقد أعلن أن المتفجرات ستنسف كل آبار البترول، قبل أن يستولي عليها أحد، فتهاوت وتلاشت قوى التهديد. وقد بلغت مهابة الفيصل في العالم حداً، جعل صحافة الغرب تقول عنه : «إن القوة التي يتمتع بها الملك فيصل، تجعله يستطيع بحركة واحدة من قبضة يده، أن يشل الصناعة الأوربية والأمريكية، وليس هذا فقط، بل إنه يمكنه خلال دقائق أن يحطم التوازن النقدي الأوروبي ويصيب الفرنك والمارك والجنيه بضربات لا قبل لها باحتمالها، كل هذا يمكن أن يفعله هذا الرجل النحيل، الجالس في تواضع على سجادة مفروشة فوق الرمل» . رحم الله ذلك الزعيم المسلم العظيم، دماغ جزيرة العرب المفكر، وأحد رجالات الدهر، الذين قلّما يجود الزمان بأمثالهم، وهو أعظم زعماء العالم الإسلامي في عصره، وكان يعتبر المرجع الأساس لقادة العالم العربي والإسلامي.