مما يثير الغضب والعجب أن يرى العربي حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاءها الغربيين يتسارعون في إصدار القرارات والبيانات المتعلقة بسير الأحوال إبان الثورة التونسية والمصرية والليبية مؤكدين موقفهم الداعم للثورة الشعبية. هذه الحكومات خصوصا ً صاحبة القيادة والريادة في هذا العالم الغربي حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية، لم نشاهدها على الإطلاق بهذا القلق وهذا الاهتمام بحرية الفرد العربي الفلسطيني وحقوقه الإنسانية. لم نرَ هذا القلق على حياة العربي الفلسطيني وهو يسحق بالقوة العسكرية الإسرائيلية ويسومونه سوء العذاب لأنه يطالب بحقوقه المشروعة وحريته ولم نرَ ذلك وطائرات وصواريخ أمريكا وحلفائها تصب نيرانها على المدنيين في بغداد في فجر ذلك اليوم الذي لم تطلع شمسه. كيف للشعوب العربية، أن تنسى سياسة الحكومة الأمريكية المعادية لمشاعر الإنسان العربي في قضيته العربية الأولى «القضية الفلسطينية»، كيف للمواطن العربي أن ينسى خطب الرئيس الأمريكي أوباما الذي نثر الوعود، ووعد بدعم إنشاء الدولة الفلسطينية ووقف الاستيطان، كيف ننسى أنه أمام مصالحه السياسية المحلية تنكر للحقوق الإنسانية العالمية ولمبادئ العدل والحرية ووافق على استخدام الفيتو لمنع قرار من مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. هل يعتقد رؤساء هذه الدول العظمى، أن الشعوب العربية تنسى من اغتصب حقوقها وأهان كرامتها كما ينسى حكامها الذين بدؤوا يتساقطون كما تسقط بيوت الطين المهترئة تحت زخات المطر. إن تاريخا ًَجديدا ً للأمة العربية يكتب الآن بيد شعوبها وليس بيد حكامها، وإذا كانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها يعتقدون أنهم يستطيعون الالتفاف على مشاعر الشعوب العربية ويقفزون على جراح أوغلوا في حفرها في داخل صدورنا، فإنهم لا يبصرون ولا يسمعون هذه الزلازل التي فجرت الأرض في العالم العربي وأسقطت أعمدتهم وعملاءهم. شكراً لحكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية وحكومات الاتحاد الأوروبي فالشعب العربي لا يريد مساعدة من يدٍ ملطخة بدماء العرب، ومن قدم ٍ داست على كرامة العرب. الشعب العربي استيقظ ونهض وانتفض مدفوعا ً بشحنة هائلة من الإحساس بالإهانة على أيدي حكامه ومن هم من وراء حكامه. الشعب العربي نهض اليوم بعد سبات عميق لسنين طويلة من أجل استعادة كرامته وحريته. لقد خسرت حكومة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي احترام الشعب العربي منذ زمن طويل وما عليهم الآن إلا أن يعيدوا حساباتهم ويقلبوا معادلاتهم، ليؤكدوا احترامهم لحقوق الإنسان العربي وكرامة الإنسان العربي، وعندها سوف تمتد إليهم اليد العربية الحرة الكريمة وليست اليد الحكومية المستعبدة الضعيفة لتصافحهم وتعمل معهم، كل من أجل تعظيم مصالحه الوطنية والقومية في ظل علاقة قائمة على احترام حقوق الآخر المشروعة والعادلة. ما تقوم به حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية وحكومات الاتحاد الأوروبي الآن إن هو في نظري إلا نوع من الوقاحة السياسية. والوقاحة لغة هي قلة الحياء، ويقال وقح الرجل إذا صار قليل الحياء، والحياء هو احترام الآخرين وكل ما يتعلق بمشاعرهم ومبادئهم وقيمهم وتقول العرب «إذا لم تستحِ فافعل ما شئت». ويمكن إسقاط الوقاحة في مفهومها الاجتماعي على المسرح السياسي، فيقال إن ما تفعله حكومة ما، إن هو إلا وقاحة سياسية، وهذا ما ينطبق في نظري اليوم على ما تفعله حكومة الولاياتالمتحدة والحكومات الغربية، التي وقفت دائماً إلى جانب إسرائيل في اعتدائها الفاضح والسافر على حقوق الإنسان العربي الفلسطيني وحريته ووطنه، وهي اليوم تطلق التصريحات وتتخذ القرارات وتنادي بالدفاع عن حقوق الشعب التونسي والمصري والليبي، الإنسانية والسياسية، وكأن المواطن العربي الفلسطيني الذي خضع لكل أنواع الظلم والبطش وانتهاك الحقوق الإنسانية على يد جيش الدفاع الإسرائيلي وطائراته ودباباته التي لم تبخل عليه بها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ليس إنسانا ً كباقي البشر له كامل الحقوق الإنسانية في الحرية والوطن والكرامة. يا لها من وقاحة سياسية ويا له من استهتار بالعقل العربي والضمير العربي والذاكرة العربية. الشعب العربي الذي استعاد حريته وكرامته الذي لايزال في الطريق سائرا ًنحوها، سيعيد النظر في كل التنظيمات المؤسسية القطرية والعربية والدولية التي سقط بعضها لا لأنها لا تصب في مصلحته الفردية والعامة ولكن لأن من حمل رايتها كان أسوأ ممثل وداع لها. ومن هذه الأمور والقضايا ما يتعلق بمؤسساته التشريعية والقضائية والتنفيذية وكل مؤسسات المجتمع المدني، وكل ما يتعلق بالوحدة والاتحاد العربي، وما يتعلق بالعلاقات الدولية. الدول الغربية الكبرى لم يكن الشعب أو الفرد العربي عاملا ً مهما ً في معادلة علاقتها السياسية والاقتصادية مع الحكومات العربية، بل كان الحاكم العربي الظالم الفاسد المتسلط القاهر لشعبه هو الأساس في تلك المعادلة رغم علمها، أي الولاياتالمتحدة والدول الغربية، ويقينها بحال الحاكم العربي وأحواله. لقد بنت الحكومات الغربية علاقتها بالدول العربية على إستراتيجية خاطئة وقصيرة الأمد، على الرغم من كثرة المؤسسات البحثية الإستراتيجية الغربية الحكومية والخاصة. الإستراتيجية الغربية أسقطت من معادلاتها وحساباتها الفرد العربي والشعب العربي ووضعت كل ثقلها ووزنها في حظيرة الحاكم العربي ودائرته رغم علمها ومعرفتها بفساده وفساد من حوله. إن سكون الشعب العربي لسنين طويلة وهو مكبل بأغلال حكوماته الوطنية أدى إلى إسقاطه من معادلة العلاقات الثنائية بين الدولة الأجنبية والدولة العربية، وقد غاب عن الأجنبي كما غاب عن الكثير منا، أنه لابد للشعب وإن طال الزمن أن ينتفض ويفيق، ويكسر القيد ويثور من أجل الحرية والكرامة. وقد قالها أبو القاسم الشابي في أوائل القرن العشرين «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر». على الغرب وعلى العالم أن يعيد بناء معادلاته في علاقته مع العالم العربي من جديد فقد جاء إلى سدة الحكم صاحبها ومصدر السلطة والتشريع والقرار فيها، لقد جاء الشعب العربي لاحتلال موقعه على سلم الشعوب الحرة الديمقراطية.