يثير الحنق أن يرى العربي حكومة الولاياتالمتحدة وحلفاءها الغربيين يُسارعون إلى إصدار البيانات عن الأحوال التونسية والمصرية والليبية مؤكدين دعم الثورة الشعبية. هذه الحكومات خصوصاً واشنطن صاحبة القيادة والريادة في العالم الغربي، لم نشاهدها على الإطلاق بهذا القلق وهذا الاهتمام بحرية الفرد العربي وحقوقه الإنسانية. لم نر هذا القلق على حياة العربي الفلسطيني حين تسحقه القوة العسكرية الإسرائيلية وتسومه العذاب لأنه يطالب بحقوقه المشروعة وحريته ولم نر ذلك وطائرات وصواريخ أميركا وحلفائها تصب نيرانها على المدنيين في بغداد فجر ذلك اليوم الذي لم تطلع شمسه. كيف للمواطن العربي أن ينسى خطب الرئيس باراك أوباما الذي نثر الوعود بدعم إنشاء الدولة الفلسطينية ووقف الاستيطان، وأمام مصالحه السياسية المحلية تنكر لوعوده وللحقوق الإنسانية العالمية ولمبادئ العدل والحرية، ووافق على الفيتو لمنع قرار من مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي. هل يعتقد رؤساء هذه الدول العظمى، أن الشعوب العربية تنسى من اغتصب حقوقها وأهان كرامتها كما ينسى حكامها الذين بدأوا يتساقطون كما تسقط بيوت الطين المهترئة تحت زخات المطر. إن تاريخاً جديداً للأمة العربية يكتب الآن بيد شعوبها وليس بيد حكامها، وإذا كانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها يعتقدون أنهم يستطيعون الالتفاف على مشاعر الشعوب العربية ويقفزون على جراح أوغلوا في حفرها داخل صدورنا، فإنهم لا يبصرون ولا يسمعون الزلازل التي فجّرت الأرض في العالم العربي وأسقطت أعمدتهم. الشعب العربي لا يريد مساعدة من يدٍ ملطخة بدماء العرب ومن قدم داست كرامتهم، فهو استيقظ ونهض وانتفض مدفوعاً بشحنة هائلة من الإحساس بالإهانة على أيدي حكامه ومن هم وراء حكامه. وقد خسرت حكومة الولاياتالمتحدة وحكومات الاتحاد الأوروبي احترام الشعب العربي منذ زمن طويل، وما عليهم الآن إلا أن يعيدوا حساباتهم ليؤكدوا احترامهم حقوق الإنسان العربي وكرامته، وعندها تمتد إليهم اليد العربية الحرة الكريمة لا اليد الحكومية المستعبدة الضعيفة، لتصافحهم وتعمل معهم، كل من أجل تعظيم مصالحه الوطنية والقومية، في ظل علاقة قائمة على احترام حقوق الآخر المشروعة والعادلة. الشعب العربي الذي استعاد حريته وكرامته والذي لا يزال في الطريق نحوها، سيعيد النظر في التنظيمات المؤسسية القطرية والعربية والدولية التي سقط بعضها، لا لأنها لا تصب في مصلحته الفردية والعامة، ولكن، لأن من حمل رايتها كان أسوأ داع لها. ومن هذه الأمور ما يتعلق بمؤسساته التشريعية والقضائية والتنفيذية وكل مؤسسات المجتمع المدني، وكل ما يتعلق بالوحدة والاتحاد العربي، وما يتعلق بالعلاقات الدولية. أما الدول الغربية الكبرى فلم يكن الشعب أو الفرد العربي مهميناً في معادلة علاقتها السياسية والاقتصادية مع الحكومات العربية، بل كان الحاكم العربي المتسلط هو الأساس في تلك المعادلة، على رغم علم الولاياتالمتحدة والدول الغربية ويقينها بحال هذا الحاكم العربي ودعمها له. لقد بنت الحكومات الغربية علاقتها بالدول العربية وفق استراتيجية خاطئة وقصيرة الأمد، على رغم كثرة المؤسسات البحثية الغربية الحكومية والخاصة. الاستراتيجية الغربية أسقطت من معادلاتها وحساباتها الفرد العربي والشعب العربي ووضعت ثقلها خلف الحاكم العربي ودائرته على رغم علمها بفساده وفساد من حوله. إن سكون الشعب العربي لسنين طويلة وهو مكبل بأغلال حكوماته الوطنية أدى إلى إسقاطه من معادلة العلاقات الثنائية بين الدولة الأجنبية والدولة العربية، وقد غاب عن الأجنبي كما غاب عن الكثير منا، أن لا بد للشعب وإن طال الزمن أن ينتفض. وقد قالها أبو القاسم الشابي في أوائل القرن العشرين «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر». * كاتب سعودي