كقرويّ كادَ أن يصحوَ يوماً ما صحوة لا تبقي على أهله وقِيَمِهمْ وجوهر دينهم ولا تذر، وسأسرد هنا بعض إرهاصات صحوتي التي تعطّلتْ.. بمقدار سعادتي وأنا أرى أسماءَ لامعةً تتحرَّكُ هنا وهناك عبر القنوات الفضائية والمنابر في المناطق والمحافظات تدعو الناس إلى تقبل الزَّمن وبفقهٍ جديدٍ – في رأيهم – يختلفُ عن الفقه السائد والسلبي الذي استخدم العادات والأعراف والتقاليد وركبها على الدين وصدَّرَ هذا إلى العالم الإسلامي على اعتبار ذلك هو تفسير الدين الصحيح ومن منبعه حتى نتج عنه ما نتج (وهذا جزء من مضمون كتاب الإمام: محمد الغزالي رحمه الله، الذي نال جائزة الملك فيصل العالمية، وهذا الكتاب نادر عندنا أو بالتهريب!!).. أقولُ: بمقدار سعادتي بتحركهم نحو التفكير والعقل (إذا استثنينا مرضى الاحتساب على حساب الحياة ممن يحملون كثيراً من عقد النقص الاجتماعي ويصرون على سكبها على مجتمعهم)، ورؤيتي بعض من حمل علينا ببذاءة بسبب الوطنية يحتفل مع تلاميذ إدارته بيومهم الوطني، بمقدار تلكم السعادة، أحملُ بعض تاريخ لا ترسمه مقالة كهذه من المواقف التي راودتْ صحوتي.. لكنني سأذكر بعض المواقف للعبرة حسب ما تسمح به الكلمات التي حُشرتُ فيها، وهو ليس حديثَ ذكريات بل هو سرد لظواهر نتساءل كثيراً من أين وكيف جاءت ولمَ لم نزل نراها وحتى متى؟ في أواخر العام 1399 ه وخلال عام 1400 ه كنت معلماً جديداً في ثانوية أبها الأولى، ومرَّ عليّ زميل طالباً مني التوقيع معه ومع المسجَّلين في كشف يحمله، وسألته علامَ أوقِّع فعرض علي الكشف تحت عنوان: المهاجرون إلى الله ورسوله!! سألته بكل قوة وحب: يا (خَبَلْ) كيف تفهم الهجرة وإلى أين أهاجر من ديار الإسلام؟ فأجابني بتلعثم: يا أخي هؤلاء قوم خيِّرون دعاة…إلخ. غير أنني سخرتُ منه فاختار اللهَ بهجْرِي، وقد عرفتُ مجموعة من الموقِّعين المهاجرين أبرياء وقعوا على مجرّد قدسية كلمة (هجرة) دون فقه لما يراد منها. بعد هذا بأسابيع اكتشفت أنَّ هؤلاء المهاجرين أُخِذُوا إلى مكة والمدينة لإعلانِ (المهدي) الذي كانوا ينتظرونه، وعندها حمدتُ اللهَ على أنني كنتُ فقيهاً جداً!! بعدها طلبني أحدُ رموز الصحوة على مستوى الوطن – آنذاك – للمناظرة فأرسلت إليه طالباً تحديد عنوان المناظرة فماتت الفكرة، وقد وصل مرسوله إلى درجة قيادية في واحدة من إدارات تعليم منطقة عسير.. وبعد عصياني تلكم الدعوة (الهجرة) على رأس القرن، جاءت طامة أخرى استنفر لها خطباء المساجد، هذه الداهية هي أطباق البث التليفزيوني الفضائي.. خطبَ الخطباء الريفيون – هنا – على منابر المساجد مركِّزين حملتهم على أنَّ من وضع على بيته (دُشاًّ) – لاستقبال البث التليفزيوني الذي لم يكن فيه سوى قنوات محلِّيّة – هو دَيُّوث وهو…. وهو… والمشكلة أنني كنتُ أول من استخدم الطبق على مستوى محافظتي فكنت الأول ممَّن حظي منهم بهذه الصفات المقيتة.. اليوم – يا سادتي -: كلهم بمن فيهم من قذفني بتلكم التهمة يرفعون الأطباق ويتسابقون إلى الحديث في القنوات التي تُرى عبر هذه الأطباق، وينفعلون لصالح المعاصرة والوسطية!! وعندما ألقى أحدهم أحاول قراءة محياه علّني ألحظُ من خلاله بعضاً من الخجل أو الاعتذار فلا أرى بوادر لهذا، فقد نسي أو تناسى مع تقليعات الشباب المتأسلمة.. فماذا تقترحون عليَّ عمله؟ أأطالبهم برد الاعتبار؟ أم أكتفي بالصبر والدعوة لهم بالهداية لأنَّهمْ لا يعلمون؟؟ كما أن مشكلتي أنني – واللهِ أحبهم الآن وآنذاك وهم يعلمون هذا!! استسلم هذا النوع من التفكير الأصفر لهذه التقنية فانفجرت عليه قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة وحاربها حتى صار أفضل مستخدميها حتى ضد الأوطان والأعراض، وسيبقى دائماً محارباً ما يجهله بالإساءة لمن يقبل الجديد حتى ما لا نهاية… مشكلتنا أننا نلجأ في شؤون حياتنا العاديَّة إلى مفتين، ولكل قرية مفتٍ، ولكل منبر تقليعات من النجوم خلطوا بين مسؤولية الفتيا والظهور الشخصي الناتج عن عقد نقص اجتماعية يعاني منها بعضهم إلى حدّ أضرّ بهم وبأهلهم وبوطنهم وبالدين.. ومشكلتنا أن هذا الأمر بدأ من القلب هناك، ووصل اليوم إلى الأطراف، فبدأ القلبُ يتطهّرُ من أدران جهله، ولم تزل الأطراف هنا تعيث فينا فتاوى شبابية تكوِّنُ (موضاتٍ) اجتماعية لا يشعر أصحابها بأذيَّتها إلاَّ بعد سنِّ النبوّة (الأربعين) وعندها أشعر أنَّ كلا منهم يحاول إرضاءَ ضميره بحبِّهِ مظلومه ولكنْ بعدَ الظّلم، ثمّ يَعْقِلُ هذا الفقيه الشاب ليأتي غيره متَّهما إياه بالتواطؤ، ويكون هذا ديالكتيكا مؤذياً للأهل والمجتمع!! بعد أنْ صحا الصَّحويُّون الذين أعرفهم وأحبهم – لأنهم لا يعلمون – وصاروا يطاردوننا على القنوات والمنابر والمحافظات، هل سنحظى بصحويين جدد يطاردون سابقيهم من الصحويين، أم أنَّ هؤلاء وأولئك لم يدركوا أنّهم مسخَّرون تسخيراً سياسياً راكباً على صهوة الدين؟ وعلى كل إجابة فأنا أحترمُ من يسير على هذا وهو يعلم أن الأمر سياسي، وأحتقر من يصدِّقُ أنَّ هناك مصطلحاً صحيحاً يسمَّى (الدَّعوة) في ديار الحرمين، إذْ يحقُّ لنا تسمية هذا ب (إرشاد – توعية – نصح).. سوى كلمة دعوة التي تستخدم لغير من حمل الدين إلى العالم!! وأحمد الله على سلامتي من صحوةِ كانت ستكون ضد أهلي وقيم قومي والحياة، مثلما أحمده على صحوة أخي الدكتور علي الرباعي..