جذب الجميع ولفت الأنظار في فترة قصيرة بآرائه الجريئة وقوله للحق دون خوف أو وجل، عمله في سلك القضاء لم يثنه عن انتقاد مايراه خطأ ولو سبب له ذلك الكثير من المتاعب أو تعرض لهجوم شرس من معارضي بعض مايقول ومع ذلك بقي صامدا يقول مايريد بأسلوب أدبي شرعي وبلغ ما يعتقده وأبرأ ذمته ولم يناكف أحدا بفتاوى تكفيرية أو تحقيرية أو تسفيهية. أبدى رأيه في كثير من الأمور الشرعية وكتب عنها سواء عبر ما يكتبه من مقالات أو من خلال ظهوره التلفزيوني الدائم، إنه القاضي في المحكمة الجزئية الدكتور عيسى الغيث الذي التقته «عكاظ» وحاورته حول ظهوره المفاجئ في وسائل الإعلام وآرائه الشرعية ومايدور على الساحة من ظهور الفتاوى وهل تصنف في دائرة الشاذة، ورأيه في الحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة، وتطرق الحوار إلى المراكز الصيفية وخطاب الصحوة والمناهج التعليمية وغيرها من الأمور الشرعية في سياق السطور التالية، فإلى التفاصيل : • ظهرت في الأعوام الأخيرة في وسائل الإعلام وصرحت بآراء جريئة.. لماذا هذا الظهور المفاجئ القوي، سواء عبر المقالات أو الحوارات؟ الظهور الإعلامي ليس برغبة مني لكونه مغرما لا مغنما وليس فيه شيء من المكاسب الدنيوية بل العكس كما ترى، وإنما هذه المشاركات جاءت كضرورة ساقتها الموجبات الشرعية التي أمرت بالقيام بالواجب عبر جميع الوسائل وعلى رأسها الإعلام، وكما قال صلى الله عليه وسلم «بلغوا عني ولو آية» والأدلة متظافرة في الأمر بالدعوة إلى الله والعمل في سبيله، ولا يجوز أن نترك هذا العمل من أجل الناس كما أنه لا يجوز العمل من أجلهم، فكلاهما شرك والعياذ بالله، وأما بشأن الظهور المفاجئ فأعتقد بأنه غير صحيح، حيث إن لي مشاركات إعلامية كثيرة منذ أكثر من عشر سنوات، وللتذكير فزاويتي «وحي الخاطر» في ملحق الرسالة بصحيفة المدينة بدأتها منذ تأسيس الملحق وذلك منذ أكثر من عشر سنوات إضافة لمشاركتي مع الدكتور عبدالقادر طاش رحمه الله في قناة اقرأ الفضائية في برنامج «نقطة ضوء» قبل أكثر من عشر سنوات، ولي مشاركاتي المتعددة في أكثر من وسيلة إعلامية ودعوية، ولكن الفرق بين الأمس واليوم، أننا كنا بالأمس لا نأتي بشيء قد يخالف بعض السائد، أما اليوم بدأنا نضع اليد على كثير من المواجع والحقائق التي لا يراد كشفها، ولذا زعموا هذا الأمر، ومن واجبنا الشرعي عدم السكوت عنه، وكم تمنيت ولا أزال أن أكفى المؤونة بأن يقوم غيري بهذه الواجبات، ولكن للأسف فالواقع كما ترى، ولكوني عزمت على الالتزام بسلامة المنهج وليس منهج السلامة فقد شرعت في ذلك متوكلا على الله، والغريب في الأمر أن مثل هذا التساؤل لا يورده بعض القوم على من هو في صفهم ومن فكرهم والسائد معهم، ولو كان فتى صغيرا أو غرا جاهلا أو متعالما غير متخصص، وهذا المنهج لا يسقط إلا صاحبه المتناقض الذي يكيل التهم على من يخالفه ولو كان من العلماء والقضاة في حين لا يقبل مجرد النقد العفيف حتى على من هم دون تلك المرتبة ممن هم في صفه، واليوم ترى كل من هب ودب يتكلم ويكتب ويسب ويشتم ولا نرى أحدا يقول له يا بني على رسلك فما زلت صغيرا وجاهلا ويجب أن تتعلم الأدب فضلا عن العلم، وخذ مثلا غير المتخصصين فتجد ممن هم من خريجي كليات غير شرعية ولا علاقة لهم بالشريعة ومع ذلك يصدرون ويمنح لهم سلاسل الألقاب والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يجرؤ على مجرد مناقشتهم، وهناك من هم في عمر أبنائنا يتسلقون على أكتافنا ولا نرى من مشايخهم إلا السكوت وربما التأييد سرا وأحيانا بجهر ومكابرة، وعلى ذلك فأقول بأن زمن السكوت قد ولى وزمن القداسة لغير المقدسات حقا قد ذهب بلا رجعة، فيجب أن نحترم الجميع دون تقديس، والغريب في الأمر أن المتطرف في جهة تجده متطرف في الجهة الأخرى، فمن هو في جهته فيعطيه أكثر من حقه وقد يكون أشبه ما يكون بالتقديس حيث لا يقبل مجرد النقاش في شيخه وأقواله، ومع أنه يقبل النقاش الفقهي حتى في النصوص المقدسة، وحتى في أقوال الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين ولكنه لا يقبل أي شيء في حق شيخه، وفي المقابل تطرف آخر فتجده يعتدي على المخالف له ولا يحفظ له أي حق فيسبه ويشتمه ويبهته ويبيح عرضه ودمه عبر التفسيق والتكفير، ولذا فليس في ديننا لاهوتية ولا قداسة لأحد، ولحوم الجميع مسمومة، فليست هناك لحوم محرمة ولحوم يجب النيل منها طبخا وشيا وبجميع أصناف الطهي، فلكل شخص منا حقوقه الشرعية، ومن أجاز لنفسه النيل من الآخر فلا يلوم إلا نفسه وليدفع ثمن اعتدائه، وهذه هي العدالة السماوية التي جاءت بها نصوص القرآن والسنة، وعلينا جميعا الالتزام بما تعلمناه نظريا في فقه الخلاف وعدم تجاوز منهجه وأدبه. آراء جريئة • أنت أحد من تتلمذوا على كبار العلماء في كلية الشريعة والمعهد العالي للقضاء وخارجهما، فهل لو كان مثل الشيخ ابن باز حيا كنت صرحت بهذه الآراء الجريئة؟ أعتقد بأنني لم أصرح بشيء يعتبر جريئا في الحقيقة وإنما قد يعد كذلك من قبل البعض في حين يعد شيئا معتادا على طول التاريخ وعرض الجغرافيا بالأمس واليوم، ونحن في قرية كونية تقنية صغيرة، وما عاد الأمر كما كان في بوادينا وقرانا، فأصبح العلم منتشرا والوسائل متعددة والوعي شاملا، وقد كان يقال في زمن الشيخ رحمه الله الكثير من المسائل التي يخالفها، وليتنا اليوم نقتفي أثره، حيث كان يحترم المخالف ويعذره، ولا ننسى أن سماحته رحمه الله كان من أوائل من نالهم شيء من ذلك حينما كان قاضيا في الدلم وعمل برأي ابن تيمية في مسألة الطلاق وقصته معروفه ولذا فسماحته ممن عاصروا شبيه هذه الأحداث ثم لم ينقصه ذلك بل بلغ به التميز والتوفيق حتى أصبح رئيسا للجامعة الإسلامية وأخيرا مفتيا عاما للمملكة ورئيسا لهيئة كبار العلماء، وقد كان سماحته لا يرى بعض المسائل ومع ذلك لم يحرض الناس ويجيشهم على ولاة الأمر بل أبدى ما لديه بأسلوب شرعي وبلغ ما يعتقده وأبرأ ذمته ولم يناكف الولاة ويخرج عليهم بفتاوى وبيانات ومقالات، وكم نحن بحاجة لمنهجية سماحته رحمه الله التي كانت ترشد الصحوة وترد الزلل وتقود الشارع نحو السكينة والمحبة والأخوة وليس العكس الواقع اليوم، ومع جميع ذلك فلكل زمان ظروفه ورجاله. طلب المناصب • يتهمك البعض بأنك تسعى وراء الشهرة والمناصب من خلال إطلاقك لبعض الآراء الجريئة في بعض القضايا الشرعية أنت وبعض طلبة العلم الآخرين فماردك على هذا الاتهام؟ هذا الاتهام ليس موجها لنا وإنما يقصد به مانحو المناصب وهم ولاة أمرنا حفظهم الله وبالتالي يتهمونهم بذلك والعياذ بالله، ومعاذ الله أن نتهم ولاتنا وعلماءنا بشيء من ذلك، ولكنها الحزبية البغيضة التي أنتجت لنا هذه الأنواع من الكائنات البشرية الغريبة، التي لا تقتفي فطرة ولا شريعة، وجميع العقلاء الأسوياء يعرفون أن هذا الطريق ليس فيه أي مكسب دنيوي وحتى لو كنت مستحقا لشيء منه قبل ذلك فإنك لن تناله حينئذ حتى لا يقال بأنه ناله مقابل كذا فضل عن ما يقع علينا من أذى نسمعه ونراه ونقرأه، ولكن هنا تمحيص الإخلاص وأن يكون العمل لله رب العالمين، وهذا هو طريق المرسلين والمجددين واسألوا التاريخ لينبئكم عن الحقيقة، وحسبنا التوكل على الله والعمل بما فيه رضاه ولو غضب علينا من غضب، فلا إله إلا الله ولا معبود بحق سواه. • كثر الخوض والجدل والحديث في العديد من الأحكام الشرعية كالغناء وإرضاع الكبير وقيادة المرأة وصلاة الجماعة وغيرها وأصبحت هذه الأمور هي الطافية على السطح رغم أن هناك قضايا فقهية وشرعية أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع، لماذا تم اختزال الدين في بعض القضايا على حساب أخرى ؟ هناك من البشر ممن لا يبصرون إلا ما تريده أهواؤهم، فيترك الحق ويذهب ليتكلف لي الأعناق لتخطئة الآخر، وهذا كما أنه مخالف للشريعة الإسلامية فهو مناقض للأخلاق القرآنية، والاختلاف الموجود في مجتمعنا حاليا ليس في مسائل عقدية وإنما في مسائل فقهية، ويجوز الاختلاف فيها بين رأي وآخر ما دامت المسألة غير متفق على حكمها إذا كان أطراف الاختلاف من أهل العلم وليس من غيرهم، أو قام بنقل حكم ارتضاه ديانة بصفته مقلدا، فمن حق كل مجتهد مهما كانت درجة اجتهاده بدءا من مجتهد التمييز وحتى وصولا للمجتهد المطلق أن يبدي رأيه في المسألة، وكما أنه من حقه ذلك، فكذلك من حق أهل العلم بل من واجبهم أحيانا أن يخالفوه ويردوا عليه خصوصا إذا كان الرأي المخالف ضعيفا أو شاذا بشرط الالتزام بفقه الخلاف منهجا وأدبا، ولا يجوز للأول أن يعترض على ردود الآخرين، كما لا يجوز على الآخرين أن يفحشوا في ردودهم أو يطالبوا بالحجر على المخالف لهم فضلا عن التسفيه والتحقير ونحو ذلك، وأعتقد بأن ما يحصل اليوم من اختلافات فقهية شيء إيجابي وصحي وحراك يحقق المصلحة العامة ولو غدا في بعض الحالات عراكا، فالعبرة بالنتائج والمآلات، والغريب في الأمر أننا كثيرا ما نسمع من بعض الدعاة دعواهم بأن الإعلام يكمم أفواههم ولا يرضى بمشاركتهم فيه وفي نفس الوقت هم يمارسون نفس الشيء حينما يطالبون بتكميم أفواه المخالفين لهم، فأنا أحترم من يخالفني وأرد عليه بعلم وأدب ولا أحجر عليه ولا أسيء إليه، وهكذا يجب أن يكون منهجنا فيما بيننا، ولو حجر على المخالفين وكممت أفواههم لما أصبح عندنا مذاهب فقهية ولا أقوال علمية ولا كتب مرجعية، ويكفي أن نعرف بأننا جزء من الجغرافيا والتاريخ، فنحن السعوديون اليوم نمثل (1 %) من عدد المسلمين و (5 %) من عدد العرب، والفقه واسع والاختلاف فيه كبير وقد يكون فيه سعة ورحمة. تيار متشدد • برأيك هل هناك تيار ديني متشدد مازال يفرض رأيه في المجتمع؟ أم أنه خف وانطفأ وهجه؟ الغالبية عددا وعدة هم من الوسطيين المعتدلين ولكن الأقلية المتشددة صوتهم الأعلى لكون الشغب دائما هو المشاهد، ولو رجعنا للفقه وتاريخه وأصوله وقواعده ومقاصده الشرعية لعرفنا بأن هؤلاء ليسوا على الحق، ولكن مع ذلك نحترمهم ويجب أن يحترموا المخالف لهم، ولذا حينما كتبت مقالا عن «الفتاوى الشاذة في الطرفين» تساءل البعض وكأنه يصحو من نوم، وحينما كتبت بعده مقالا عن «الفتاوى الشاذة المسكوت عنها» ظهرت الحقيقة للجميع، ثم كتبت في نفس هذا الأسبوع المقال الثالث «الفتاوى الشاذة بين الإباحة والتحريم»، وبعدها اتصل بي الكثير من المشايخ يشكرون ويقدرون، لأن هذه رسالتنا وهي الدعوة والتعليم والنصيحة والاحتساب، وكل ما نقوم به هو من أنواع الاحتساب، فليست الحسبة كائنا نمطيا يختص بمظاهر تقليدية، بل هو شامل لكل ما يحقق معنى التقوى، ولذا فإن الحاضر فضلا عن المستقبل القريب هو لظهور الصوت الوسطي المعتدل بإذن الله تعالى. • هل مازال لدينا بيئة خصبة لظهور التطرف والإرهاب ؟ لا أحب الإرجاف والتهويل، ولكن لدينا في بعض الأماكن والظروف والحالات بيئات خصبة لتوليد تطرف جديد وإرهاب مستجد، وبكوني أحد أبناء الصحوة العارفين بها منذ ربع قرن فإنني أرى في الميدان الحالي وخصوصا في العام الماضي أرضا خصبة أشد وأخطر من تلك الأرضية التي نمت فيها الفئة الضالة، بل إن السرعة في التحولات الفكرية المتشددة أكثر من السابق وأشد، ولا يعني هذا الاستعداء وإنما النصيحة الواجبة، ولا نريد أن نكرر أخطاء السابق، فلدينا مخزون خبرة كبير لا يجيز لنا السكوت عن هذه التراكميات الفكرية والميدانية التي فرخت لنا الكثير من المصائب الأمنية. فتاوى شاذة • كثر الحديث عن الفتاوى الشاذة وأهمية الحجر على أصحابها، فهل أنت مع هذا القول ؟، وهل يمكن أن نطلق على بعض الفتاوى شاذة رغم أن بعض العلماء أيدوها ؟ كتبت في هذا الأسبوع ثلاثة مقالات عن الفتاوى الشاذة، ولا أنكر مبدأ وجود فتاوى شاذة عبر التاريخ والجغرافيا واليوم، ولكن أتحفظ على رمي أحد الطرفين للآخر بصفة الشذوذ دون دليل، فلنا أن نقول رأيك لدينا مفضول أو مرجوح أو ضعيف ولكن ليس لنا أن نرمي الآخر بأن قوله شاذ، وحتى في حال كونه شاذا، فهناك شذوذ من الطرفين، ولماذا تم السكوت عن الشذوذ في طرف والهجوم غير الشرعي على الطرف الآخر، ولكنني مع ما أراه في الميدان الفقهي والفكري من تشنجات إلا أن قراءتي لها تختلف عن غيري، لكوني أعتقد بأن هذه الشدة أخف من السابق، بل لو قيلت بعض الأقوال المعلنة اليوم قبل سنة فقط لكان رد الفعل أشد بكثير، ولذا فهذا دليل على التطور الفقهي والتوسع الفكري للميدان الشرعي، والجميع أخذوا الدروس جيدا، وعرف كل طرف حدود المحاورة وعدم الاعتداء على الآخر، و إلا فلن يسكت الآخر وسيعامله بالمثل، وعلى ذلك بدأت الساحة الشرعية تتطور ولو جزئيا وتتجاوز تلك المراهقات السابقة، وإن كان هناك من يريد جرها لسابق عهدها في المصادرة والتحكم بالحق، ولكن الزمن قد تجاوزه. • صرح الشيخ عبدالمحسن العبيكان بأنه ضد حصر الفتوى على كبار العلماء هل تؤيد هذا الرأي ؟ وهل أنت مع خطوة هيئة كبار العلماء في تعيين مفتين رسميين في كل منطقة لمنع الفتوى الشاذة ؟ لا يمكن لكائن من كان أن يكمم الأفواه في زمن العولمة التقنية، فالانترنت والفضائيات والاتصالات على قدم وساق وهي عصية على الترويض، وها هي مئات القنوات الفضائية المنحلة لم نستطع ترويضها، بل تسابق بعض هؤلاء القوم على الظهور فيها والتي كانت وما تزال محلا للانحلال، وسأصدقك القول وأسألك: كم رأيا يدعى بأنه شاذ خلال هذه السنة فقط؟ لن تجد أكثر من خمس مسائل، وغالبها محل خلاف قوي وليست من باب الشذوذ، ولكن في المقابل كم رأيا شاذا خلال هذه السنة من الطرف الآخر؟ ستجد العشرات من الآراء والتصريحات والبيانات التي سكت عنها مع أنها تنتهك حقوق التاريخ الفقهي وعلمائه والجغرافيا الإسلامي ورجاله، ولا أحب أن أذكر لك الأمثلة فهي معروفة للمتابعين، وكل ما في الأمر أننا حاولنا تسليط الضوء على هذا الجانب من الآراء الشاذة أو المعتدية ومع ذلك لم يستحمل البعض هذه المصارحة مع أنه من صقور المواجهة ضد ما يزعم أنها آراء شاذة. أزمة الفتوى • هل لدينا أزمة حقيقية في الفتوى ؟ وماسببها ؟ وكيف يمكن حماية الفتوى من أنصاف المتعلمين والمتعالمين ؟ لدينا أزمة حقيقية وكبرى في الفتوى، وسببت لنا ولبلدنا وتاريخنا المعاصر الكثير من الحرج، ولكن للأسف لا تسلط الأضواء إلا على الذين لا يحرمون أو الذين لا يوجبون بعض المسائل، في حين سكت عن الذين ينشطون في التحريم لمسائل غير محرمة والإيجاب على الناس في مسائل غير واجبة وعلى الأقل محل خلاف معتبر، ولولا الخلافات الفقهية لما ظهرت المذاهب والعلماء المجتهدون ولما وجدنا اليوم تلك المراجع الفقهية والأسفار العلمية التي ننهل منها علومنا وشريعتنا، ولذا يجب أن نعيد النظر في منهجنا المطبق ونعود للمنهج المفترض الذي بقي حبيس دروس الجامعات ولم نره مطبقا على الميدان، كما أن العلوم الشرعية ليست كلها من باب الفقه فهناك علوم الآلة كالصيدلي بالنسبة للطبيب، فالمتخصص في علوم القرآن والسنة والعقيدة قد لا يكون مؤهلا للحديث في مسائل الفقه والترجيح وخصوصا ممن لم يتعلم تاريخ الفقه وأصوله وقواعده ومقاصده الشرعية. المراكز الصيفية • بعيدا عن إطار الفتاوى والآراء الشرعية .. هل مازالت المراكز الصيفية تعاني من وجود الأفكار المتشددة والمتطرفة ؟ نحن أبناء الصحوة، ولذا سعينا إلى اليقظة وليس الغفوة والتخدير، وهذه ضريبة الصحوة الحقيقية من أبنائها الذين لا يزالون يزعمون الصحوة، وهم لا زالوا في غفوة، وهناك الكثير من المناشط التي شكلت الوعي، ومنها المراكز الصيفية والمكتبات في المساجد وحلق القرآن والمعسكرات والرحلات وغيرها، ولكنها في الغالب حققت الكثير من الإيجابيات وحافظت على الشباب ونمتهم فكريا ولا يجوز أن نطعن فيها، ولكن هناك الكثير من مناشطها شطت عن هدفها وأصبحت موغلة في إدامة الغفوة ومناكفة الصحوة الجديدة، ولكنني على يقين وعبر علاقاتي الواسعة في داخل التيار الإسلامي أن هناك بوادر صحوة جديدة حقيقية بدأت تظهر للسطح وسترونها بشكل أكبر مع الأيام المقبلة بإذن الله تعالى. مناهج التعليم • هل مناهجنا التعليمية بحاجة لإعادة النظر في بعض محتوياتها ؟ وهل مازالت قضية التكفير والتفسيق والتبديع هي السائدة في خطانا التعليمي الشرعي؟ أعتقد أن المشكلة ليست في المناهج، ولكن في القائمين على تدريسها والبيئة الاجتماعية المنغلقة على نفسها في زمن التقنية، ولكن مع ذلك فنحن بحاجة لتطوير المناهج والتربية على فقه الحوار والخلاف والتنوع لا التضاد، فكل شيء يتطور في حياتنا ويجب أن تتطور معه آليات تعليمنا، وأما قضية التكفير فهي السائدة عند بعض الناس وهم أقلية منبوذة، ولذا ترى من المنتشر في ميداننا أن من يخالف الآخر فهو منافق وعلماني وليبرالي وإلى آخر هذه التصنيفات، في حين العلماء السلف كانوا يحترمون بعضهم ويقولون قولنا صواب يحتمل الخطأ وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب، وأما هؤلاء الأقلية فلسان حالهم ولحن مقالهم أن قولهم هو الحق ولا يحتمل الخطأ وقول غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب بل ربما أضافوا على الآخر تهمة بأنه فاسق ومنافق وصاحب شهوة وشبهة وحتى التكفير، لكنهم اليوم في غربة اجتماعية ونفرة بيئية وكلما زادت غربتهم زاد فحشهم وفجورهم وهم بهذا يسارعون بالقضاء على فكرهم.. خطاب الصحوة • البعض يرى بأننا مازلنا نعيش بقايا خطاب الصحوة ؟ وهل خطاب الصحوة خطاب سلبي في كل تفاصيله ؟ أنا ابن الصحوة من أكثر من ربع قرن ولها فضائل كبرى علينا وأفتخر بذلك ولا أقبل الطعن فيها، ولكن نحن من داخلها نسعى لترشيدها وبث الصحوة الجديدة فيها، فالصحوة ليست في المظاهر وإنما يجب أن تكون في البواطن والأفكار والخطاب المسموع والمقروء والمشاهد، وعلى ذلك فخطاب الصحوة قبل ربع قرن لا يصلح اليوم، وفيه الكثير من السلبيات غير المناسبة للواقع، وإن لم نصلحه فسنغرق معه، وهذه سنة الله في كونه، وليس لسنة الله تبديل.