ذكّرتني مكالمة زعيم الجناح اليمني لتنظيم (القاعدة) (ناصر الوحيشي) إلى زعيم تنظيم (القاعدة) (أيمن الظواهري) المشتملة على القيام بهجوم «يغيّر وجه التاريخ»، برسائل (بن لادن) الزعيم السابق لتنظيم (القاعدة) التي أطلقها ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها من مخبئه في باكستان، ثم قام تنظيم القاعدة بتنفيذ عملياته الأشهر في 11 سبتمبر 2001 ضد منشآت حيوية في أمريكا مثل برجي التجارة (معقل التجارة الأمريكية) والبنتاجون ترسانة الأمن الأمريكية. ولقد استطاعت المخابرات الأمريكية اعتراض تلك المكالمة وعقب ذلك جاء قرار الولاياتالمتحدة إغلاق 19 بعثة دبلوماسية لها في بعض البلاد الإسلامية، منها اليمن! كما أغلقت كل من بريطانيا وفرنسا سفارتيهما في صنعاء فترة قصيرة ثم أعادت فتحهما. ولقد أبلغ الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) الرئيسَ اليمني (عبدربه منصور هادي) خلال لقائهما في البيت الأبيض في 2013/8/1 بتلك المكالمة!. كما كشف الرئيس اليمني أن (القاعدة) قد أعدت سيارتين مفخختين – تمت مراقبتهما عبر طائرات أمريكية دون طيار- كانت إحداهما مجهزة لتفجير ميناء (الضبا) شرقي حضرموت. وقد تم إحباط هذا المخطط بعد اعتراض تلك المكالمة. كما أكد الرئيس اليمني أن السلطات تمكنت من إلقاء القبض على أفراد الخلية الذين يفترض بهم تسهيل العملية!. كما أحبطت قوات الأمن اليمنية (يوم 2013/8/24) هجوماً انتحارياً كان يستهدف مركزاً لتعليم اللغة الإنجليزية في صنعاء، كما أفاد مسؤول أمني لوكالة الأنباء الفرنسية. لكن العملية الأجرأ – في سلسلة العمليات الإرهابية التي تجتاح مناطق عدة من اليمن – لم تتمكن السلطات اليمنية من إحباطها، وجاءت في سيارة نقل عسكرية تابعة للقوات الجوية يوم الأحد الماضي، وتسبب الحادث في مصرع وإصابة أكثر من 36 جندياً يمنياً!. (القتلى عشرة أشخاص حسب إحصائيات أولية). وكانت أنباء قد ذكرت بأن العبوة الناسفة قد زُرعت في سيارة النقل العسكرية، وهذا يبعث على أكثر من تساؤل حول «تواطؤ» واضح! فإذا كانت سيارة عسكرية تابعة للقوات الجوية – وهي أغلى القوات – تتعرض لمثل هذا الاختراق، فما بالكم بالسيارات أو المنشآت المدنية!؟. كما يؤكد الحادث إصرار تنظيم (القاعدة) على مواصلة عملياته داخل اليمن ولربما خارجها!. وما يزيد في تخوف البعض أن العمليات الانتقامية للهجمات الأمريكية بطائرات غير مأهولة باتت تزداد، كون تلك الهجمات تطال مواطنين (نساء وأطفال) لا دخل لهم في التنظيم، إلا أن حالة الغضب تدفع ذوي المنكوبين إلى التعاون مع (القاعدة)، لا حباً فيها ولكن انتقاماً لمن قُضي من أهاليهم. ويزيد في تعقيد الموقف في اليمن عمليات الخطف العشوائية للأجانب، التي تحدث من وقت لآخر. وكان آخرها ما حدث يوم 21 يوليو الماضي، حيث تم اختطاف دبلوماسي إيراني واقتياده إلى جهة مجهولة. وذكرت مصادر الشرطة اليمنية أن الخاطفين ينتمون إلى تنظيم (القاعدة)، وأن المُختطف موجود في منطقة ما بين محافظتي (شبوة) و( البيضاء) في جنوب البلاد. كما أن عدم الاستقرار السياسي، ومنه (الحراك الجنوبي) الذي نفّذّ عصياناً مدنياً يوم الثلاثاء الماضي في معظم محافظات جنوب اليمن، يشتت جهود الحكومة اليمنية في التركيز على محاصرة الإرهاب، وملاحقة عناصره في هذا البلد الشاسع المساحة. ويرى خبراء عسكريون إمكانية أن يصبح اليمن مركزاً حيوياً لملاحقة عناصر (القاعدة) في المنطقة، إلا أن إمكانات اليمن عسكرياً واستخباراتياً ومالياً تحد من قدرته على تنفيذ عمليات دقيقة ضد تنظيم (القاعدة)، ناهيك عن اتساع رقعة تحرك عناصرالتنظيم وصعوبة كشف المتعاونين معهم من اليمنيين. وتبدو بريطانيا مصممة على دفع الجهود الدولية لمحاصرة (القاعدة)، حيث أعلنت عن إرسال وحدات من القوات الخاصة إلى منطقة الخليج للحيلولة دون عودة التنظيم إلى شبه الجزيزة العربية. من هنا قد يحتاج الأمر إلى تعاون إقليمي أوثق، ومراقبة دقيقة لانتقال الأفراد من مكان إلى آخر – تحت أية دعاوى – لأنَّ الإرهاب يتلون ويلبس عدة أقنعة في ذات الوقت. ولربما جاء من «الأقربين» الذين تحتضهم دون الخليج!. ولا بد من وسائل وقائية قبل «سقوط الفأس في الرأس»!. وأن يُصار إلى حوار إقليمي جاء نحو محاصرة واقتلاع جذور الإرهاب، وتقديم أصحابه الذين (لا يرون في الوجود شيئاً جميلاً) إلى المحاكمة، ووقف أعمال الترويع والتهديد – التي في النهاية – لن تؤدي إلى شيء، حتى لو «عكّرت» مزاج الولاياتالمتحدة!. كما لا تحقق أي شيء لهؤلاء الذين يئسوا من الدنيا واستلذوا اللعب بالنار، حتى لو حرقت أياديهم واقتلعت عيونهم. إن دول مجلس التعاون المستقرة الآمنة قد تغري هؤلاء «اللاعبين» لنشر «هواياتهم» فيها. وهذا ليس بعيدا. فالحذر كل الحذر واجب من قبل الجهات المختصة ومن المواطنين للحفاظ على أمن الجميع واستقرارهم – شعوباً وحكومات – والتعاون مع الجهات المختصة والتبليغ عن أية حالة اشتباه لمصدِّري الإرهاب إلينا. ومن المفيد التدقيق في طلبات الزيارة التي يقدمها البعض لزيارة بلدان الخليج. ما يبعث على الخوف أن هؤلاء الذين يمارسون الإرهاب يلبسون الزي الإسلامي ويتشبهون بالمؤمنين الأتقياء الصالحين. وهذا يُسهل اختراقهم للمجتمعات والمؤسسات التي تدعو وتعمل من أجل الخير ومساعدة المحتاجين. ويصعب على الجهات الأمنية كشفهم، ما لم ترتفع درجة المراقبة. لأن أمن الأوطان وأمن الإنسان لا ينفصلان!؟. ولتحقيق هذا الأمن لا بد من تضحيات وتعديل بعض المسارات المتعلقة بالأداء العام لحفظ النظام.