فقدت الصحافة والثقافة قبل أيام علَماً من أعلامها، ورائداً من رواد الإعلام الذين تركوا بصمتهم المتميزة في مسيرة تاريخه. فقدنا قلماً جريئاً صادقاً في وطنيته وقوميته، وفي أدائه أمانة الرسالة الصحفية، التي يؤمن بعبئها كل صحفي نزيه يلتزم بشرف المهنة وأخلاقياتها. لم يكن رضا لاري إعلامياً رائداً صنع لنفسه تاريخاً مضيئاً في الصحافة السعودية ونهضتها فحسب، بل وكان يُعد من أبرز الأسماء التي ناضلت وجاهدت في أداء رسالتها الإعلامية، ومساهمته المتميزة في مسيرتها ونهضتها، وعُرف بإبداعه في الفكر السياسي. والأستاذ اللاري (رحمه الله) أستاذ جيل من الصحفيين والإعلاميين، فهو صاحب أسلوب له خصوصياته في تحليله الأحداث وقراءته مجرياتها، تميز بقلمه الجريء وتجربته الصحفية وخلفيته الثقافية الفريدة، وقد شهد له زملاؤه وتلاميذه بتميز طرحه الإعلامي المهني الرائع، وقراءته الواعية المتبصرة بنزاهة وحكمة طوالع الأحداث، كان بطبعه صادقاً وشفافاً. تولى رئاسة تحرير صحيفتي «عكاظ» و«سعودي جازيت» (تصدر باللغة الإنجليزية)، وقبل ذلك عمل موظفاً في وزارات التجارة، المالية والخارجية، وهو ما جعله ملماً وعلى اطلاع بمختلف القضايا التي تشكل هموم المجتمع وتشغل بال الناس، لذا وجد القارئ لمقالاته التي نشرت له في الصحف وختم مشوار جهاده الصحفي بما كان ينشره في جريدة «الرياض»، أنه قريب منه وصادق معه. رضا لاري كاتب صاحب تجربة وخبرة في القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وملم بالأحداث الإقليمية والعالمية، تَصدُق توقعاته كما يَصدُق في نقل الحقائق بكل صورها وشواهدها وما يتوارى في خلفياتها. كان ديبلوماسياً في أدائه مجاهداً صلب المراس في تحقيق أهدافه، والدفاع عن فكرته الصادقة ورأيه الذي يؤمن به. عُرف عنه جديته في العمل وحماسه وحرصه على أن يكون العمل متقناً ويوجه به من هم تحت قيادته والمتعاونين معه، الإخلاص فيه والانتماء له، ويشهد له بذلك من عملوا معه في جريدتي «عكاظ» و«سعودي جازيت»، والزملاء من رؤساء التحرير الذين عاصروه، وأكثرهم يمثلون النخبة من الإعلاميين، الذين كافحوا معه. رضا لاري صحفي مفكر يفلسف العمل الصحفي بطريقته، ويُبدع في كتابة مقالاته السياسية وافتتاحيات صحفه الساخنة، ورغم جديته، إلا أنه كان يعالج متفائلاً أصعب المواقف بأسلوب ساخر متزن، ورغم جديته وحزمه، إلا أنه تمتع بروح مرحة، وبديهة حاضرة. عرفتُه مثقفاً في محاضراته ومفكراً في مقالاته وتحليلاته السياسية في حل مختلف القضايا، ويلفت النظر بأفكاره ورؤاه التي كان يشارك بها في المؤتمرات والندوات. كانت له (رحمه الله) رؤيته وفلسفته في العمل الصحفي بشأن متابعة القضايا المحلية والإقليمية والعالمية، من خلال رؤية متميزة في قراءة مجريات الأحداث، وغالباً ما كانت مقالاته وتحليلاته تُحدِث أثرها في إعادة قراءة ما يجري من أحداث بناء على ما طرحه من حقائق وأدلة مقنعة وبعيدة الرؤى، تؤكد بُعد بصيرته ووجاهة نظرياته، وعُمق تفكيره، شخصياً كان يقنعني بوجهة نظره التي يطرحها، وقراءته الجيدة المقنعة لأوضاع العالم سياسياً واقتصادياً وفكرياً، كما كانت للأستاذ اللاري (رحمه الله) كاريزما خاصة جاذبة تجعله مؤثراً ومقنعاً في التأثير على قرائه ومستمعيه. حقيقة لا يكون الإنسان صحفياً أو مثقفاً صادقاً وواعياً إذا لم يكتب فكرته وهو مقتنع بها، وقلة هم الذين يسيرون على نهج رضا لاري، رغم أننا نعيش في عصر أتيح للإعلامي والأديب من حرية الرأي وبحبوحة الكشف عن كل الحقائق، مادامت تستند إلى مرجعية ومصدر لا لبس فيه، ما لم يتوفر للصحفيين والمثقفين في عصر جهاده الصحفي.