أن تكون براجماتيّاً هو أمر محمود شريطة أن تتسم هذه البراجماتية بالرؤية العميقة والبعد الاستشرافي وأن تقوم على التخطيط الجيد وإشراك القاعدة الشعبية المسؤولة عن التطبيق. فالارتجالية في الممارسة وعدم توفر خريطة طريقة من المؤكد أنها ستجهض أي نوع من التجريب. والحقل التعليمي هو بيئة مثالية للتجريب التربوي إذ إنه مطلب أساسي للرقي بالممارسة التعليمية إلا أنه عندما تتجرد هذه البرجماتية التربوية من أبسط الاشتراطات الرئيسية لإنجاح آلية تفعيلها فإن المخرجات حينها ستكون غير مبشّرة على الإطلاق. ولقد أقرّت وزارة التربية والتعليم ممثلة بالإدارة العامة للمناهج منذ ثلاثة أعوام خطة لتطبيق منهجين للغة الإنجليزية بالصف الرابع الابتدائي. هذان المنهجان البريطانيان أحدهما we can. والآخر يدعى Packback وكلاهما معدان من قبل مؤسستين تعليميتين عريقتين ومعترف بهما عالمياً في تصميم وبناء المناهج. كان من المقرر – وفقاً لأبسط الأدبيات التربوية – في حقل تصميم وبناء المناهج Curriculum Designing أن يطبق كلا المنهجين لمدة أربعة أعوام بمدارسنا السعودية تُجرى خلالها عمليات التقويم المقننة لهما أثناء ذلك. وعلى الرغم من أن عملية التطبيق قد بدأت بطريقة غير مشجعة – أضحت عادة – في ظل تأخر وصول أدلة المعلمين لفترة تجاوزت ثلاثة أشهر وكذلك نفس الأمر بالنسبة للوسائل التعليمية التي تسهم في تبسيط المعرفة للطالب التي لم تسلّم للمعلمين سوى في منتصف الفصل الدراسي الثاني إلا أن الأمور سارت بعد ذلك بانتظام فاستبشرنا بالخير. فوجئ المعلمون وأولياء الأمور هذا العام بأن الإدارة العامة للمناهج قد ألغت من مدارسنا وبدون سابق إنذار هذين المنهجين وبعد أن قطعنا ثلاثة أرباع الفترة الزمنية المفترضة للتطبيق ولم يتبق سوى قطف ثمار التجربة ولتسارع هذه الإدارة لاعتماد تطبيق منهجين جديدين. ضاربة بعرض الحائط بكافة التوصيات العلمية التي تنص عليها نظريات تدريس المنهج. ومتجاوزة للأسماء العريقة للمؤسسات التربوية التي كانت تقف وراء تصميم وبناء هذه المناهج الملغاة وهي MacMillan بالمرحلة الابتدائية وكذلك Oxford بالمرحلة الثانوية والتي طالتها هي الأخرى يد التغيير. هذان المنهجان الجديدان واللذان حملا اسمي Smart و Get ready يدرك المطلع على الشأن التربوي وكذلك المعلمون الذين تدربوا على آلية تفعيلهما ميدانياً بأنهما لايرقيان في محتواهما العلمي لسلفيهما. كما أن أحدهما مصمم من قبل publications mm وهي مؤسسة مغمورة في المجال التربوي العالمي. كما أن عمليات الإلغاء هكذا وبلا مقدمات قد أدّت إلى إرباك المعلمين وكذلك المعلمات الذين اكتسبوا خلال العامين الماضيين خبرات في آلية التعامل مع هذين المقررين المحذوفين وتم تدريبهم تدريباً مكثفاً على آلية التعامل معهما بالإضافة لهدر ملايين الريالات في عمليات الطباعة والبرامج التدريبية التي نفذت في تركيا ودول أخرى. وهناك أمر آخر يدعو للاستغراب, فالمؤسسات التربوية العالمية المسؤولة عن هذه المقررات التي تم إلغاؤها كانت تهدف لإيجاد موطئ لها في سوق اقتصاديات التعليم الخليجي لذا فهي لم تشترط الحصول على مال إلا بعد إتمام الأربع سنوات الخاصة بالتطبيق وموافقة الجهات المسؤولة بالوزارة على اختيار مناهجها للتطبيق بمدارسنا. في حين أن هذه المؤسسة الجديدة والمغمورة التي تم تبني تطبيق مناهجها في مدارسنا للعام الدراسي الحالي فقد تم ترسية العطاء عليها والتعاقد معها والدفع لها مباشرة وبملايين الريالات. بقي أن نقول إن هذه الممارسة (الحذف وإعادة التعاقد) هكذا وبدون أي إشعار هي شاهد آخر على أن تعليمنا ممثلاً بوزارته يعاني من أزمة. فالجهات المعنية بالوزارة لم تكلّف نفسها حتى في تقديم مبررات منطقية ومعقولة لأقسام اللغة الإنجليزية بالإدارات العامة للتربية والتعليم وهي الجهات المخوّل لها متابعة عملية التطبيق بالمدارس ومن ثم تزويد الجهات ذات العلاقة بالوزارة بالملاحظات والعوائق التي تواجه عمليات التطبيق. إن هذا الأمر قد فتح المجال لعديد من التكهنات لدى شريحة واسعة من المعلمين بل وسرت همسات بأن الهدف الرئيس لتغييرهذا المنهج مرتبط بمنافع مادية (لسين) من الناس. إذ يبدو أن لغة المال أضحت هي السائدة لدى وزارة التربية والتعليم, بل ومقدمة على تعليم اللغة الهدف (الإنجليزية). وإلى أن يردنا توضيح من وزارة التربية والتعليم فإن الدعوة لاتزال موجهة (لنزاهة) للقيام بزيارة (تربوية) للإدارة العامة للمناهج ولإدارات وفروع الوزارة الأخرى التي تتعاطى مع السيولة النقدية لميزانية الوزارة. فقد بت أعتقد أن وزارة التربية والتعليم سيكون في جرابها كثير من الأشياء التي – قد – تحظى باهتمام نزاهة وقديماً قيل (ياما في جرابك ياحاوي).