نصوصٌ تُنشر أسبوعياً، من «يوميات بيت هاينريش بول» التي كتبها الشاعر أثناء إقامته الأدبية، بمنحة من مؤسسة «هاينريش بول» في ألمانيا. دفترُ المنسيات السّديم من أين جئنا إلى هذا المكانِ البعيد لمْ نعدْ نذكر الآن ثلجَ الطريق الذي خلفنا أتينا بأحزاننا بالجراح التي شرَّدتنا بما يختفي في التجاعيدِ من عمرنا وانتقلنا بفعل الغيوم لنسكنَ في منتهى الأرض يا ربَّ هذا السّديم الغريب احتمِلنا فقد تَبعدُ الأرضُ لكنَّ في الدرب ما يَكسرُ القلب يعبثُ بالروح .. حتى وصلنا وجدنا مع الوقت ما يحتوي ذعرنا في المكان البعيد فيا ربّ هذه الحقولِ الوسيعة والشجرِ المستهام عليك السلام لكي نعرفَ الآن من أين جئنا فبعد الرحيلِ انتهينا من الذكريات لنعرفَ غيمَ الفصولِ لعل الحياة. قراءة تركتُ لها «فنسنت فان جوخ» وبقيَ ليَ الفضاءُ برمته لشموعِها نكهةُ القطن مقطوفاً وقهوتُها تكتبُ التعاويذَ لئلا أنامَ قبل النص كلما غفلتُ عن حبرٍ وضعتْ الزيتَ في السراج وعندما تخبو الشعلة الساهرة دفعتْ ب«فنسنت» لكي ينتخب لوناً فيوقظ النار ويطلقُ شمسَه الحارة في ليلي الطويل فتنتعش الروح وتهطل الأحلامُ من حولي. ولعُ الغريب جاءتْ فَراشاتٌ ومسَّتْ خصلةَ الحرف ومالتْ بالجناح الأصغر المسنون مالتْ بالجنون كأنها تهوي بلا عقلٍ لكي تُخفي ترددها كأن النارَ مرقدُها وجاءتْ مثلما يأتي من الشهق البريدُ فمن يريدُ رسالةً يمشي على خيط الفَراش المستقيم ولا يُقيمُ علامةً يمحو إشارَتَه لئلا يقتفيهِ قانصٌ والحبر في الكلمات ترسم للرحيل حديقة وتَسُوقُ ريفَ الزهر مثل كتائبٍ مأسورةٍ بالنحل بالباقي من العسل القديم كأنما شَمعٌ شفيفٌ يختفي في الماء جاءتْ وانتهتْ بجناحها الخفّاق في المنفى لكي ينتابها ولعُ الغريب لكي تغيب. دفترُ الغابة معها .. في ممرات الغابة تحت شمسٍ عليلة الضوء بيدين نحيلتين تنحني لترفع ظلَ شجرةٍ متروكٍ في مرض الأرض متباهية بما تعثرُ عليه من منسيات الناس فيما يمرون متسارعين منتقلين من ظلٍ إلى ضلالة دون اكتراث بما تفعله الشموس في غابتهم القديمة أتقدمُ بخطوتين فتتأخر بثلاث تلتقط ظلالاً كثيرة وتلمُّ أغصاناً يائسة وصخوراً صغيرة معلنة أنها دفاترَ تستحق الكتابة وترى فيها أشكالاً تتكلم وحياةً تكادُ أنْ تكتمل. شهوات القبرة ماذا تريد مني هذه القبرة تحومُ حول مسارِ أقدامي وتَدرجُ في كل سعةٍ أخرج منها وكل مطرحٍ أذهبُ إليه قبرةٌ طالعةٌ من فجوة الأرض بقميص الترابِ الأليف أرقبُها منذ الكتاب تقتفي أثري وتروزُ الطريقَ أمامَ مواقعِ أقدامي كلما أشَحْتُ لها بصفحة من مخطوطي قرأتْ لي كتابها وأشارتْ إلى النص في باب النيران. قبرةٌ من ترابٍ قديمٍ وضعتُ رأسي في حنانها ونسيتُ، هل هي ذكرى الأبد تطيرُ حول ضحاياها وتحطّ لتنشأ المحطاتُ في أثرها ماذا تريد القُبرةُ القديمة وما الذي يجعل جناحَها غامراً في سُرادقِ الحزن قُبرةٌ ماكرةٌ تعرف نسياني وتعرفُ النارَ والطريق فماذا تريد مني؟